المباركة الأولى أن إمساك المرأة في البيت إنما هو لتعجيزها عن ارتكاب الفاحشة مرة ثانية ، غير واضح من حيث مدلولها ، بل قد تكون ظاهرة في العقوبة بالسجن المؤبد في البيت ، لأنه ليس من الطبيعي أن يكون إبعادها عن الفاحشة بهذه الطريقة ، إذ ليس من الضروري أن تكون هذه المرأة الزانية قد تحولت المعصية لديها إلى حالة متجذرة في الذات ومستمرّة في حركة سلوكها ، بل قد يكون الزنى حالة طارئة جديدة في حياتها ؛ الأمر الذي يمكن فيه نهيها عنه بالوسائل العادية للنهي عن المنكر.
أما ملاحظته حول جعل السبيل ، فإننا قد نتفق معه في رفض اعتبار الرجم أو الجلد سبيلا ، على أساس تفسير السبيل بالحلّ الذي يتخلص به من هذا السجن المؤبد ، ولكن من الممكن أن يكون المقصود منه الوسيلة التي يمكن لها فيه أن تنال عقوبتها ، كالجلد الذي اقتصر القرآن عليه ، «لأن الرجم ثبت بالسنة» ، فتملك بذلك حريتها في الحركة وتتخلص من سجنها ، وهذا هو الذي تؤيده الرواية التي جاءت عن النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم مما رواه صاحب مجمع البيان حيث قال صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ حسب الرواية ـ : قد جعل الله لهن سبيلا عند نزول آية (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي). وعلى ضوء هذا فيمكن أن يكون الحكم المذكور في هذه الآية منسوخا كما عبر به الطبرسي في مجمع البيان (١) ، بلحاظ أن الحكم بالإمساك بالبيوت قد ارتفع بآية النور وليس المراد بالنسخ المعنى المصطلح.
وبهذا تكون الآية واردة لبيان حكم النساء بقطع النظر عن الرجال. أمّا الآية الأخرى ، فقد تكون متعرضة لحكم الطرفين الرجل والمرأة ، وهذا هو سر التثنية ، ويكون الحديث عن الإيذاء حديثا عاما لا اختصاص له بما ذكره المفسرون ، وكأنه إشارة لما جاء في سورة النور ، والله العالم.
* * *
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٣ ، ص : ٣٤.