سَبِيلِهِ) (١) وقوله : (وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) (٢) وقوله : (إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) (٣) ولو كان ذلك عندهم سجعا لم يتحيروا فيه ذلك التحير ، حتى سماه بعضهم سحرا ، وتصرفوا فيما كانوا يسمونه به ، ويصرفونه إليه ، ويتوهمونه فيه. وهم في الجملة عارفون بعجزهم عن طريقه ، وليس القوم بعاجزين عن تلك الأساليب المعتادة عندهم ، المألوفة لديهم ، والذي تكلمنا به في هذا الفصل كلام على جملة دون التفصيل. ونحن نذكر بعد هذا في التفصيل ، ما يكشف عن مباينة ذلك وجوه السجع. ومن جنس السجع المعتاد عندهم قول أبي طالب ، لسيف بن ذي يزن (٤) : «انبتك منبتا طابت أرومته ، وعزت جرثومته ، وثبت أصله ، وبسق فرعه ، ونبت زرعه ، في أكرم موطن وأطيب معدن» وما يجري هذا المجرى من الكلام.
والقرآن مخالف لنحو هذه الطريقة ، مخالفته للشعر ، وسائر أصناف كلامهم الدائر بينهم. ولا معنى لقولهم إن ذلك مشتق من ترديد الحمامة صوتها على نسق واحد ، وروىّ غير مختلف. لأن ما جرى هذا المجرى لا يبنى على الاشتقاق وحده ، ولو بني عليه لكان الشعر سجعا ، لأن رويّه يتفق ولا يختلف ، وتتردد القوافي على طريقة واحدة. وأما الأمور التي يستريح إليها الكلام ، فإنها تختلف. فربما كان ذلك يسمى قافية ، وذلك إنما يكون في الشعر. وربما كان ما ينفصل عنده الكلامان يسمى مقاطع السجع. وربما سمي ذلك فواصل. وفواصل القرآن مما هو مختص بها ، لا شركة بينه وبين سائر الكلام فيها ، ولا تناسب.
وأما ما ذكروه من تقديم موسى على هارون عليهماالسلام في موضع ، وتأخيره عنه في موضع لمكان السجع ، ولتساوي مقاطع الكلام ، فليس بصحيح. لأن الفائدة عندنا غير ما ذكروه. وهي أن إعادة ذكر القصة الواحدة بألفاظ مختلفة تؤدي معنى واحدا من الأمر الصعب الذي تظهر فيه الفصاحة ، وتتبين فيه البلاغة. وأعيد كثير من القصص في مواضع مختلفة على ترتيبات متفاوتة ، ونبهوا بذلك على عجزهم عن الإتيان بمثله مبتدأ به ومكررا. ولو كان فيهم تمكن من المعارضة لقصدوا تلك القصة فعبروا عنها بألفاظ لهم تؤدي معناها ، وتحويها ، وجعلوها بإزاء ما جاء به ، وتوصلوا بذلك إلى تكذيبه وإلى مساواته فيما جاء به.
__________________
(١) آية (٢٤) سورة التوبة.
(٢) آية (٤٨ ، ٤٩) سورة آل عمران.
(٣) آية (٤) سورة مريم.
(٤) ابن ذي أصبح بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع ابن العرنجج ، وهو : حمير بن سبأ.