سَبِيلِهِ) وقوله : (وَالتَّوْراةَ
وَالْإِنْجِيلَ وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) وقوله : (إِنِّي وَهَنَ
الْعَظْمُ مِنِّي) ولو كان ذلك عندهم سجعا لم يتحيروا فيه ذلك التحير ، حتى
سماه بعضهم سحرا ، وتصرفوا فيما كانوا يسمونه به ، ويصرفونه إليه ، ويتوهمونه فيه.
وهم في الجملة عارفون بعجزهم عن طريقه ، وليس القوم بعاجزين عن تلك الأساليب
المعتادة عندهم ، المألوفة لديهم ، والذي تكلمنا به في هذا الفصل كلام على جملة
دون التفصيل. ونحن نذكر بعد هذا في التفصيل ، ما يكشف عن مباينة ذلك وجوه السجع.
ومن جنس السجع المعتاد عندهم قول أبي طالب ، لسيف بن ذي يزن : «انبتك منبتا طابت أرومته ، وعزت جرثومته ، وثبت أصله ،
وبسق فرعه ، ونبت زرعه ، في أكرم موطن وأطيب معدن» وما يجري هذا المجرى من الكلام.
والقرآن مخالف
لنحو هذه الطريقة ، مخالفته للشعر ، وسائر أصناف كلامهم الدائر بينهم. ولا معنى
لقولهم إن ذلك مشتق من ترديد الحمامة صوتها على نسق واحد ، وروىّ غير مختلف. لأن
ما جرى هذا المجرى لا يبنى على الاشتقاق وحده ، ولو بني عليه لكان الشعر سجعا ،
لأن رويّه يتفق ولا يختلف ، وتتردد القوافي على طريقة واحدة. وأما الأمور التي
يستريح إليها الكلام ، فإنها تختلف. فربما كان ذلك يسمى قافية ، وذلك إنما يكون في
الشعر. وربما كان ما ينفصل عنده الكلامان يسمى مقاطع السجع. وربما سمي ذلك فواصل.
وفواصل القرآن مما هو مختص بها ، لا شركة بينه وبين سائر الكلام فيها ، ولا تناسب.
وأما ما ذكروه من
تقديم موسى على هارون عليهماالسلام في موضع ، وتأخيره عنه في موضع لمكان السجع ، ولتساوي
مقاطع الكلام ، فليس بصحيح. لأن الفائدة عندنا غير ما ذكروه. وهي أن إعادة ذكر
القصة الواحدة بألفاظ مختلفة تؤدي معنى واحدا من الأمر الصعب الذي تظهر فيه
الفصاحة ، وتتبين فيه البلاغة. وأعيد كثير من القصص في مواضع مختلفة على ترتيبات
متفاوتة ، ونبهوا بذلك على عجزهم عن الإتيان بمثله مبتدأ به ومكررا. ولو كان فيهم
تمكن من المعارضة لقصدوا تلك القصة فعبروا عنها بألفاظ لهم تؤدي معناها ، وتحويها
، وجعلوها بإزاء ما جاء به ، وتوصلوا بذلك إلى تكذيبه وإلى مساواته فيما جاء به.
__________________