عنهم من الكلام. وقد علمنا أن ذلك محفوظ عندهم ، منقول عنهم ، والقدر الذي نقلوه قد تأملناه ، فهو في الفصاحة لا يتجاوز حد فصاحة الإنس ، ولعله يقصر عنها ، ولا يمتنع أن يسمع الناس كلامهم ، ويقع بينهم وبينهم محاورات في عهد الأنبياء صلوات الله عليهم.
وذلك الزمان مما لا يمتنع فيه وجود ما ينقض العادات. على أن القوم إلى الآن يعتقدون مخاطبة الغيلان ، ولهم أشعار محفوظة مروية في دواوينهم قال تأبط شرا (١) :
وأدهم قد حبت جلبابه كما |
|
احتابت الكاعب الخيعلا |
إلى أن حدا الصبح أثناءه |
|
ومزّق جلبابه الأليلا |
على شيم نار تنوّرتها |
|
فبتّ لها مدبرا مقبلا |
فأصبحت والغول لي جارة |
|
فيا جارتا أنت ما أهولا |
وطالبتها بضعها فالتوت |
|
بوجه تهول واستغولا |
فمن سأل أين ثوب جارتي |
|
فإن لها باللوى منزلا |
وكنت إذ ما هممت اعتزمت |
|
ت وأحر إذا قمت أن أفعلا |
وقال آخر :
عشوا ناري فقلت منون أنتم؟ |
|
فقالوا : الجنّ ، قلت : عموا ظلاما |
فقمت إلى الطعام فقال منهم |
|
زعيم يحسد الإنس الطعاما |
ويذكرون لامرئ القيس (٢) قصيدة مع عمرو الجنى وأشعارا لهما كرهنا ذكرها لطولها وقال عبيد بن أيوب :
فلله درّ الغول أي رفيقة |
|
لصاحب قفر خائف متقفر |
أرنّت بلحن بعد لحن وأوقدت |
|
حواليّ نيرانا تلوح وتزهر |
وقال ذو الرمة (٣) بعد قوله :
قد أعسف النازح المجهول معسفه |
|
في ظل أخضر يدعو هامه البوم |
__________________
(١) تأبط شرا هو : ثابت بن جابر ، كان أسمع العرب وأبصرهم وأكيدهم ، وكان أعدى رجل ينظر إلى الظباء فينتقي أسمنها ، ثم يعدو خلفه فلا يفوته. مات سنة (٥٣٠ م). له ترجمة في : الأغاني ١٨ / ٢٠٩ ، والشعر والشعراء (١٧٤) ، وخزانة الأدب ١ / ٦٦.
(٢) سبقت ترجمته.
(٣) ذو الرمة هو : غيلان بن عقبة بن نهيس ، يعد من الشعراء المتيمين ، وصاحبته مية بنت مقاتل المنقري ، وكانت جميلة ، وكان هو دميما أسود ، وسمعت تشبيبه بها ، ولم تره ثم رأته ، فقالت : «وا سوأتاه» فغضب ، وهجاها. مات سنة (١١٧). له ترجمة في : وفيات الأعيان ١ / ٤٠٤ ، وخزانة الأدب ١ / ٥١.