للجنّ بالليل في حافاتها زجل |
|
كما تناوح يوم الرّيح عيثوم |
دويّة ودجى ليل كأنهما |
|
يمّ تراطن في حافاته الروم |
وقال أيضا :
وكم عرّست بعد النوى من معرّس |
|
لها من كلام الجن أصوات سامر |
وقال :
ورمل عزيف الجن في عقباته |
|
هزيز كتضراب المغنّين بالطبل |
وإذا كان القوم يعتقدون كلام الجن ومخاطباتهم ، ويحكون عنهم ، وذلك القدر المحكي لا يزيد أمره على فصاحة العرب ، صح ما وصف عندهم من عجزهم عنه ، كعجز الإنس. ويبين ذلك من القرآن أن الله تعالى حكى عن الجن ما تفاوضوا فيه من القرآن ، فقال : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا ، فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) (١) إلى آخر ما حكى عنهم فيما يتلوه. فإذا ثبت أنه وصف كلامهم ، ووافق ما يعتقدونه من نقل خطابهم ، صح أن يوصف الشيء المألوف بأنه ينحط عن درجة القرآن في الفصاحة.
وهذان الجوابان أسدّ عندي من جواب بعض المتكلمين عنه ؛ بأن عجز الإنس عن القرآن يثبت له حكم الإعجاز ، فلا يعتبر غيره. ألا ترى أنه لو عرفنا من طريق المشاهدة عجز الجن عنه ، فقال لنا قائل : فدلوا على أن الملائكة تعجز عن الإتيان بمثله ، لم يكن لنا في الجواب غير هذه الطريقة التي قد بيناها. وإنما ضعّفنا هذا الجواب ؛ لأن الذي حكى وذكر عجز الجن والإنس عن الإتيان بمثله ، فيجب أن نعلم عجز الجن عنه كما علمنا عجز الإنس عنه. ولو كان وصف عجز الملائكة عنه لوجب أن نعرف ذلك أيضا بطريقه فإن قيل : أنتم قد انتهيتم إلى ذكر الإعجاز في التفاصيل ، وهذا الفصل إنما يدل على الإعجاز في الجملة. قيل هذا : كما أنه يدل على التفصيل أيضا. فصح أن يلحق هذا القبيل ، كما كان يصح أن يلحق بباب الجمل.
ومعنى سادس : وهو أن الذي ينقسم عليه الخطاب ، من البسط والاقتصار ، والجمع ، والتفريق (٢) ، والاستعارة والتصريح ، والتجوز والتحقيق ، ونحو ذلك من الوجوه التي توجد
__________________
(١) آية (٢٩) سورة الأحقاف.
(٢) قال السيوطي في «الاتقان» ١ / ٢٧٥ ، «هو أن تدخل شيئين في معنى ، وتفرق بين جهتي الإدخال.
وجعل منه الطيبي قوله : «الله يتوفى الأنفس حين موتها» الآية. جمع النفسين في حكم التوفي ، ثم فرق بين جهتي التوفي بالحكم بالإمساك والإرسال.
أي : الله يتوفى بالإمساك والإرسال. أي : الله يتوفى الأنفس التي تقبض والتي لم تقبض ، فيمسك