فصل :
في
كلام النبي صلىاللهعليهوسلم وأمور تتصل بالإعجاز
إن قال قائل : إذا
كان النبي صلىاللهعليهوسلم أفصح العرب ، وقد قال هذا في حديث مشهور ، وهو صادق في
قوله ، فهلا قلتم : إن القرآن من نظمه لقدرته في الفصاحة على مقدار لا يبلغه غيره؟
قيل : قد علمنا أنه لم يتحداهم إلى مثل قوله وفصاحته ، والقدر الذي بينه وبين كلام
غيره من الفصحاء ، كقدر ما بين شعر الشاعرين ، وكلام الخطيبين في الفصاحة ؛ وذلك
مما لا يقع به الإعجاز.
وقد بينا قبل هذا
: أنا إذا وازنّا بين خطبه ، ورسائله ، وكلامه المنثور ، وبين نظم القرآن ، تبين
من البون بينهما ، مثل ما بين كلام الله عزوجل ، وكلام الناس. ولا معنى لقول من ادعى أن كلام النبي صلىاللهعليهوسلم معجز ، وإن كان دون القرآن في الإعجاز.
فإن قيل : لو لا
أن كلامه معجز لم يشتبه على ابن مسعود الفصل بين المعوذتين وبين غيرهما من القرآن.
وكذلك لم يشتبه دعاء القنوت في أنه هل هو من القرآن أم لا؟ ولا يجوز أن يخفى عليهم
القرآن من غيره ، وعدد السور عندهم محفوظ مضبوط.
وقد يجوز أن يكون
شذّ عن مصحفه ، لا لأنه نفاه من القرآن ، بل عوّل على حفظ الكل إياه.
على أن الذي
يروونه خبر واحد لا يسكن إليه في مثل هذا ، ولا يعمل عليه.
ويجوز أن يكتب على
ظهر مصحفه دعاء القنوت لئلا ينساه كما يكتب الواحد منا بعض الأدعية على ظهر مصحفه.
وهذا نحو ما يذكره
الجهال من اختلاف كثير بين مصحف ابن مسعود وبين مصحف عثمان رضوان الله عليهما.
ونحن لا ننكر أن
يغلط في حروف معدودة ، كما يغلط الحافظ في حروف ، وينسى ، ما لا نجيزه على الحفاظ
مما لم نجزه عليه.
ولو كان قد أنكر
السورتين على ما ادعوا لكانت الصحابة تناظره على ذلك. وكان يظهر وينتشر. فقد
تناظروا في أقل من هذا ، وهذا أمر يوجب التكفير والتضليل. فكيف