على ذلك النقل
المتواتر الذي يقع به العلم الضروري ، فلا يمكن جحود واحد من هذين الأمرين.
وإن قال قائل :
لعله لم يقرأ عليهم الآيات التي فيها ذكر التحدي ، وإنما قرأ عليهم ما سوى ذلك من
القرآن ، كان كذلك قولا باطلا ، يعلم بطلانه مثل ما يعلم به بطلان قول من زعم أن
القرآن أضعاف هذا! وهو يبلغ حمل جمل! وإنه كتم ، وسيظهره المهدي!! أو يدّعى أن هذا
القرآن ليس هو الذي جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم ، وإنما هو شيء وضعه عمر أو عثمان رضي الله عنهما ، حيث وضع المصحف. أو يدعى فيه زيادة أو نقصانا.
وقد ضمن الله حفظ
كتابه أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه ، ووعده الحق ، وحكاية قولة من
قال ذلك يغني عن الردّ عليه ، لأن العدد الذين أخذوا القرآن في الأمصار ، وفي
البوادي ، وفي الأسفار ، والحضر ، وضبطوه حفظا من بين صغير وكبير ، وعرفوه حتى صار
لا يشتبه على أحد منهم حرف ، لا يجوز عليهم السهو والنسيان ، ولا التخليط فيه
والكتمان.
ولو زادوا ونقصوا
أو غيّروا لظهر. وقد علمت أن شعر امرئ القيس وغيره لا يجوز أن يظهر ظهور القرآن ، ولا أن يحفظ كحفظه ،
ولا أن يضبط كضبطه ، ولا أن تمسّ الحاجة إليه مساسها إلى القرآن ، لو زيد فيه بيت
أو نقص منه بيت. لا بل لو غير فيه لفظ لتبرأ منه أصحابه. وأنكره أربابه.
فإذا كان ذلك مما
لا يمكن في شعر امرئ القيس ونظرائه ، مع أن الحاجة إليه تقطع لحفظ العربية ، فكيف
يجوز أو يمكن ما ذكروه في القرآن ، مع شدة الحاجة إليه في أصل الدين ، ثم في
الأحكام والشرائع ، واشتمال الهمم المختلفة على ضبطه.
فمنهم من يضبطه
لإحكام قراءته ، ومعرفة وجوهها ، وصحة أدائها.
ومنهم من يحفظه
للشرائع ، والفقه.
__________________