وبعض قريض القوم
أولاد علّة
|
|
يكدّ لسان
الناطق المتحفّظ
|
فإن قال قائل :
فقد نجد في آيات القرآن ما يكون نظمه بخلاف ما وصفت ، ولا تتميز الكلمات بوجه
البراعة ، وإنما تكون البراعة عندك منه في مقدار يزيد على الكلمات المفردة ، وحدّ
يتجاوز حدّ الألفاظ المستندة. وإن كان الأكثر على ما وصفته به؟ قيل له : نحن نعلم
أن قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ
أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ) إلى آخر الآية ليس من القبيل الذي يمكن إظهار البراعة فيه
وإبانة الفصاحة ، وذاك يجري عندنا مجرى ما يحتاج إلى ذكره من الأسماء والألقاب ،
فلا يمكن إظهار البلاغة فيه. فطلبها في نحو هذا ضرب من الجهالة ، بل الذي يعتبر في
نحو ذلك تنزيل الخطاب ، وظهور الحكمة في الترتيب والمعنى. وذلك حاصل في هذه الآية
إن تأملت.
ألا ترى أنه بدأ
بذكر الأم ، لعظم حرمتها ، وإدلائها بنفسها ، ومكان بعضيّتها ، فهي أصل لكل من
يدلي بنفسه منهن ، لأنه ليس في ذوات الأنساب أقرب منها.
ولما جاء إلى ذوات
الأسباب ألحق بها حكم الأم من الرضاع ، لأن الرحم ينشره اللبن بما يغذوه. فيحصل
بذلك أيضا لها حكم البعضية ، فنشر الحرمة بهذا المعنى ، وألحقها بالوالدة. وذكر
الأخوات من الرضاعة ، فنبه بها على كل من يدلي بغيرها وجعلها تلو الأم من الرضاع.
والكلام في إظهار
حكم هذه الآية وفوائدها يطول ، ولم نضع كتابنا لهذا. وسبيل هذا أن نذكره في كتاب
معاني القرآن إن سهل الله لنا إملاءه وجمعه ، فلم تنفك هذه الآية من الحكم التي
تخلف حكمة الإعجاز في النظم والتأليف.
والفائدة التي
تنوب مناب العدول عن البراعة في وجه الترصيف. فقد علم السائل أنه لم يأت بشيء ،
ولم يهتد للأغراض في دلالات الكلام ، وفوائده ومتصرفاته وفنونه ومتوجهاته. وقد
يتفق في الشعر ذكر الأسامي فيحسن موقعه ، كقول أبي داود الأسدي :
إن يقتلوك فقد
ثللت عروشهم
|
|
بعتبة بن الحارث
بن شهاب
|
بأشدهم كلبا على
أعدائه
|
|
وأعزّهم فقدا
على الأصحاب
|
وقد يتفق ذكر
الأسامي فيفسد النظم ، ويقبح الوزن. والآيات الأحكاميات التي لا بد فيها من أمر
البلاغة ، يعتبر فيها من الألفاظ ما يعتبر في غيرها. وقد يمكن فيها ، وكل موضع
أمكن ذلك ، فقد وجد في القرآن في بابه ما ليس عليه مزيد في البلاغة وعجيب النظم.
__________________