منها اليواقيت منثورة ، والجواهر مبثوثة.
ولو لا ما أكره من تضمين القرآن في الشعر لأنشدتك ألفاظا وقعت مضمّنة لتعلم كيف تلوح عليه ، وكيف ترى بهجتها في أثنائه ، وكيف تمتاز منه ، حتى أنه لو تأمله من لم يقرأ القرآن ، لتبين أنه أجنبي من الكلام الذي تضمنه ، والباب الذي توسطه ، وأنكر مكانه ، واستكبر موضعه. ثم تناسبها في البلاغة والإبداع ، وتماثلها في السلاسة والإغراب. ثم انفرادها بذلك الأسلوب ، وتخصصها بذلك الترتيب. ثم سائر ما قدمنا ذكره مما نكره إعادته.
وأنت ترى غيره من الكلام يضطرب في مجاريه ، ويختل تصرفه في معانيه ، ويتفاوت التفاوت الكثير في طرقه ، ويضيق به النطاق في مذاهبه ، ويرتبك في أطرافه وجوانبه ، ويسلمه للتكلف الوحشي كثرة تصرفه ، ويحيله على التصنع الظاهر موارد تنقله وتخلصه.
ونظم القرآن في مؤتلفه ومختلفه ، وفي فصله ووصله ، وافتتاحه واختتامه ، وفي كل نهج يسلكه ، وطريق يأخذ فيه ، وباب يتهجم عليه ، ووجه يؤمه على ما وصفه تعالى به ، لا يتفاوت ، كما قال : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (١) ولا يخرج عن تشابهه وتماثله كما قال : (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) (٢) وكما قال : (كِتاباً مُتَشابِهاً) (٣) ولا يخرج عن إبانته كما قال : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (٤) وغيره من الكلام كثير التلون ، دائم التغير ، يقف بك على بديع مستحسن ، ويعقبه قبيح مستهجن ، ويطلع عليك بوجه الحسناء ، ثم يعرض للهجر بخد القبيحة الشوهاء ، ويأتيك باللفظة المستنكرة بين الكلمات التي هي كاللآلئ الزّهر.
وقد يأتيك باللفظة الحسنة بين الكلمات البهم. قد يقع إليك منه الكلام المثبج والنظم المشوّش ، والحديث المشوّه. وقد تجد منه ما لا يتناسب ولا يتشابه ، ولا يتآلف ولا يتماثل.
وقد قيل في وصف ما جرى هذا المجرى :
وشعر كبعر الكبش فرّق بينه |
|
لسان دعيّ في القريض دخيل |
وقال آخر :
__________________
(١) آية (٨٢) سورة النساء.
(٢) آية (٢٨) سورة الزمر.
(٣) آية (٢٣) سورة الزمر.
(٤) آية (١٩٥) سورة الشعراء.