قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير من وحي القرآن [ ج ٥ ]

32/375
*

(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) هو المالك للأشياء كلها ، فليس لغيره ملك بإزاء ملكه ، فهو المالك الحقيقي ، أما الآخرون ، فإنهم يملكون بالملك الاعتباري في ما ملّكهم إيّاه. فهو المالك لهم ولما ملّكهم ... وبذلك كان قيامه عليها قياما كاملا لا نقص فيه ولا حدود ، لأن هناك فرقا بين قيامك على الشيء الذي هو تحت سيطرتك وملكك وبين قيامك على ما لم يكن كذلك ، وهذا هو ما تريد الآية أن تؤكده ليشعر الإنسان بالاطمئنان لكمال التدبير الإلهي للإنسان وللأشياء ، وليعي ارتباط كل الموجودات بالله ارتباط الملك بالمالك ، فتفقد قيمتها وعظمتها في وعي الإنسان ، عند ما يشعر أنها مثله في عبوديتها ومملوكيتها لله ... فكيف يمكن أن يجعل منها شركاء لله كما توحي به الآية الكريمة : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) [الأعراف : ١٩٤].

(مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) ليس هناك إلا كلمته وإرادته ، فلا يملك أحد أن يتدخل في إنقاذ أحد من مصير محتوم ، أو رفعه إلى درجة عالية من خلال قوة ذاتية أو موقع مميّز خاص ، إلا بإذنه الذي يلقيه إلى بعض عباده المقربين في ما يريد وفي ما لا يريد ، وبذلك يمكن لنا أن نقرّر مبدأ الشفاعة في نطاق الخط الذي يريد الله للشافعين أن يسيروا عليه في ما يريد الله أن يكرمهم بالمغفرة لبعض المذنبين ، أو برفع الدرجة لبعض المطيعين من دون أن يتنافى ذلك مع مبدأ التوحيد في ما يتوسل به الناس من شفاعة.

وفي هذا الجو ، يمكن لنا أن نستوحي طبيعة ما يملكه الشفعاء من ميزة الشفاعة من حيث ارتباطها بإرادة الله وبإذنه ، فالمغفرة التي تنال المذنبين من الله ، والبلاء الذي يرفع عن المبتلين من الله ، والمثوبة التي تحصل للمطيعين منه ـ جل شأنه ـ يمنحها لهذا ولذاك ، بكرامة هذا النبي أو هذا الولي التي