(وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠) هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) (١١)
____________________________________
كقولك سمعت زيدا يقرأ (ثُمَّ يُصِرُّ) أى يقيم على كفره وأصله من إصرار الحمار على العانة (مُسْتَكْبِراً) * عن الإيمان بما سمعه من آيات الله تعالى والإذعان لما تنطق مزدريا لها معجبا بما عنده من الأباطيل وقيل نزلت فى النضر بن الحرث وكان يشترى من أحاديث الأعاجم ويشغل بها الناس عن استماع القرآن لكنها وردت بعبارة عامة ناعية عليه وعلى كل من يسير سيرته ما هم فيه من الشر والفساد وكلمة ثم لاستبعاد الإصرار والاستكبار بعد سماع الآيات التى حقها أن تذعن لها القلوب وتخضع لها الرقاب كما فى قول من قال [يرى غمرات الموت ثم يزورها] (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) أى كائن لم يسمعها فخفف وحذف* ضمير الشأن والجملة حال من يصر أى يصر شبيها بغير السامع (فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) على إصراره واستكباره* (وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً) أى إذا بلغه من آياتنا شىء وعلم أنه من آياتنا لا أنه علمه كما هو عليه فإنه بمعزل من ذلك العلم وقيل إذا علم منها شيئا يمكن أن يتشبث به المعاند ويجد له محملا فاسدا يتوصل به إلى الطعن والغميزة (اتَّخَذَها) أى الآيات كلها (هُزُواً) أى مهزوءا بها لا ما سمعه فقط وقيل الضمير* للشىء والتأنيث لأنه فى معنى الآيات (أُولئِكَ) إشارة إلى كل أفاك من حيث الاتصاف بما ذكر من* القبائح والجمع باعتبار الشمول للكل كما فى قوله تعالى (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) كما أن الإفراد فيما سبق من الضمائر باعتبار كل واحد واحد (لَهُمْ) بسبب جناياتهم المذكورة (عَذابٌ مُهِينٌ) وصف* العذاب بالإهانة توفية لحق استكبارهم واستهزائهم بآيات الله سبحانه وتعالى (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) أى من قدامهم لأنهم متوجهون إلى ما أعد لهم أو من خلفهم لأنهم معرضون عن ذلك مقبلون على الدنيا فإن الوراء اسم للجهة التى يواريها الشخص من خلف وقدام (وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ) ولا يدفع (ما كَسَبُوا) * من الأموال والأولاد (شَيْئاً) من عذاب الله تعالى أو شيئا من الإغناء (وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ) أى الأصنام وتوسيط حرف النفى بين المعطوفين مع أن عدم إغناء الأصنام أظهر وأجلى من عدم إغناء الأموال والأولاد قطعا مبنى على زعمهم الفاسد حيث كانوا يطمعون فى شفاعتهم وفيه تهكم (وَلَهُمْ) فيما وراءهم من جهنم (عَذابٌ عَظِيمٌ) لا يقادر قدره (هذا) أى القرآن (هُدىً) فى غاية الكمال من الهداية كأنه نفسها (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) أى بالقرآن وإنما وضع موضع ضميره قوله تعالى* (بِآياتِ رَبِّهِمْ) لزيادة تشنيع كفرهم به وتفظيع حالهم (لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ) أى من أشد العذاب* (أَلِيمٌ) بالرفع صفة عذاب وقرىء بالجر على أنه صفة رجز وتنوين عذاب فى المواقع الثلاثة للتفخيم* ورفعه إما على الابتداء وإما على الفاعلية.