(فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩) وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) (٣٥)
____________________________________
إياها (وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) وقيل مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها وقيل فى حيز الرفع على* الخبرية أى الأمر كذلك فحينئذ يكون أورثناها معطوفا على تركوا وعلى الأولين على الفعل المقدر (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) مجاز عن عدم الاكتراث بهلاكهم والاعتداد بوجودهم فيه تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده فيقال له بكت السماء والأرض ومنه ما روى أن المؤمن ليبكى عليه مصلاه ومحل عبادته ومصاعد عمله ومهابط رزقه وآثاره فى الأرض وقيل تقديره أهل السماء والأرض (وَما كانُوا) لما جاء وقت هلاكهم (مُنْظَرِينَ) ممهلين إلى وقت آخر أو إلى الآخرة بل* عجل لهم فى الدنيا (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ) بأن فعلنا بفرعون وقومه ما فعلنا (مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) من استعباد فرعون إياهم وقتل أبنائهم واستحياء نسائهم على الخسف والضيم (مِنْ فِرْعَوْنَ) بدل من العذاب إما على جعله نفس العذاب لإفراطه فيه وإما على حذف المضاف أى عذاب فرعون أو حال من المهين أى كائنا من فرعون وقرىء من فرعون على معنى هل تعرفونه من هو فى عتوه وتفر عنه وفى إبهام أمره أولا وتبيينه بقوله تعالى (إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ) ثانيا من الإفصاح عن كنه أمره* فى الشر والفساد ما لا مزيد عليه وقوله تعالى (مِنَ الْمُسْرِفِينَ) إما خبر ثان لكان أى كان متكبرا مسرفا أو حال من الضمير فى (عالِياً) أى كان رفيع الطبقة من بين المسرفين فائقا لهم بليغا فى الإسراف (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ) أى بنى إسرائيل (عَلى عِلْمٍ) أى عالمين بأنهم أحقاء بالاختيار أو عالمين بأنهم يزيغون فى* الأوقات ويكثر منهم الفرطات (عَلَى الْعالَمِينَ) جميعا لكثرة الأنبياء فيهم أو على عالمى زمانهم (وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ) كفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وغيرها من عظائم الآيات التى لم يعهد مثلها فى غيرهم (ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ) نعمة جلية أو اختبار ظاهر لننظر كيف يعملون (إِنَّ هؤُلاءِ) يعنى كفار قريش لأن الكلام فيهم وقصة فرعون وقومه مسوقة للدلالة على تماثلهم فى الإصرار على الضلالة والتحذير عن حلول مثل ما حل بهم (لَيَقُولُونَ) (إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) أى ما العاقبة ونهاية الأمر إلا الموتة الأولى المزيلة للحياة الدنيوية ولا قصد إلى إثبات موتة أخرى كما فى قولك حج زيد