(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ) (١٨)
____________________________________
مما يأتى ويذر أمرا ينافيها ومن ضرورته أن يكون ركوبه لأمر مشروع (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) متصل بقوله تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) الخ أى وقد جعلوا له سبحانه بألسنتهم واعتقادهم بعد ذلك الاعتراف من عباده ولدا وإنما عبر عنه بالجزء لمزيد استحالته فى حق الواحد الحق من جميع الجهات وقرىء جزؤا* بضمتين (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ) ظاهر الكفران مبالغ فيه ولذلك يقولون ما يقولون سبحان الله عما يصفون (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ) أم منقطعة وما فيها من معنى بل للإنتقال من بيان بطلان جعلهم له تعالى ولدا على الإطلاق إلى بيان بطلان جعلهم ذلك الولد من أخس صنفيه والهمزة للإنكار والتوبيخ* والتعجيب من شأنهم وقوله تعالى (وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ) إما عطف على اتخذ داخل فى حكم الإنكار والتعجيب الخلاف المشهور والالتفات إلى خطابهم لتأكيد الإلزام وتشديد التوبيخ أى بل اتخذ من خلقه أخس أو حال من فاعله بإضمار قد أو بدونه على الصنفين واختار لكم أفضلهما على معنى هبوا أنكم اجترأتم على إضافة اتخاذ جنس الولد إليه سبحانه مع ظهور استحالته وامتناعه أما كان لكم شىء من العقل ونبذ من الحياء حتى اجترأتم على التفوه بالعظيمة الخارقة للعقول من ادعاء أنه تعالى آثركم على نفسه بخير الصنفين وأعلاهما وترك له شرهما وأدناهما وتنكير بنات وتعريف البنين لتربية ما اعتبر فيهما من الحقارة والفخامة (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً) الخ استئناف مقرر لما قبله وقيل حال على معنى أنهم نسبوا إليه ما ذكر ومن حالهم أن أحدهم إذا بشر به اغتم والالتفات للإيذان باقتضاء ذكر قبائحهم أن يعرض عنهم وتحكى لغيرهم تعجيبا منها أى إذا أخبر أحدهم بولادة ما جعله مثلا له سبحانه إذ الولد* لا بد أن يجانس الوالد ويماثله (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) أى صار أسود فى الغاية من سوء ما بشر به (وَهُوَ كَظِيمٌ) مملوء من الكرب والكآبة والجملة حال وقرىء مسود ومسواد على أن فى ظل ضمير المبشر ووجهه مسود جملة وقعت خبرا له (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ) تكرير للإنكار وتثنية للتوبيخ ومن منصوبة بمضمر معطوف على جعلوا أى أو جعلوا من شأنه أن يربى فى الزينة وهو عاجز عن أن يتولى لأمره بنفسه فالهمزة لإنكار الواقع واستقباحه وقد جوز انتصابها بمضمر معطوف على اتخذ فالهمزة حينئذ لإنكار الوقوع واستبعاده واقحامها بين المعطوفين لتذكير ما فى أم منقطعة من الإنكار وتأكيده والعطف* للتغاير العنوانى أى أو اتخذ من هذه الصفة الذميمة صفته (وَهُوَ) مع ما ذكر من القصور (فِي الْخِصامِ) * أى الجدال الذى لا يكاد يخلو عنه الإنسان فى العادة (غَيْرُ مُبِينٍ) غير قادر على تقرير دعواه وإقامة حجته لنقصان عقله وضعف رأيه وإضافة غير لا تمنع عمل ما بعده فى الجار المتقدم لأنه بمعنى النفى وقرىء