(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (١٧) لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (١٨)
____________________________________
المفرط وسوء الفهم فى أمور الدين (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ) كرر ذكرهم بهذا العنوان مبالغة فى ذمهم (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) هم بنو حنيفة قوم مسيلمة الكذاب أو غيرهم ممن ارتدوا* بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو المشركون لقوله تعالى (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) أى يكون أحد* الأمرين إما المقاتلة أبدا أو الإسلام لا غير كما يفصح عنه قراءة أو يسلموا وأما من عداهم فينتهى قتالهم بالجزية كما ينتهى بالإسلام وفيه دليل على أمامة أبى بكر رضى الله عنه إذ لم تتفق هذه الدعوة لغيره إلا إذا صح أنهم ثقيف وهوازن فإن ذلك كان فى عهد النبوة فيخص دوام نفى الاتباع بما فى غزوة خيبر كما قاله محيى السنة وقيل هم فارس والروم ومعنى يسلمون ينقادون فإن الروم نصارى وفارس مجوس يقبل منهم الجزية (فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً) هو الغنيمة فى الدنيا والجنة فى الآخرة (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) عن الدعوة (كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ) فى الحديبية (يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) لتضاعف جرمكم (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) أى فى التخلف عن الغزو لما بهم من العذر والعاهة فإن التكليف يدور على الاستطاعة وفى نفى الحرج عن كل من الطوائف المعدودة مزيد اعتناء بأمرهم وتوسيع لدائرة الرخصة (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) فيما ذكر من الأوامر والنواهى* (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) وقرىء ندخله بنون العظمة (وَمَنْ يَتَوَلَّ) أى عن الطاعة* (يُعَذِّبْهُ) وقرىء بالنون (عَذاباً أَلِيماً) لا يقدر قدره (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ) هم الذين ذكر شأن مبايعتهم وبهذه الآية سميت بيعة الرضوان وقوله تعالى (إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) منصوب برضى* وصيغة المضارع لاستحضار صورتها وتحت الشجرة متعلق به أو بمحذوف هو حال من مفعوله روى أنه عليه الصلاة والسلام لما نزل الحديبية بعث خراش بن أمية الخزاعى رسولا إلى أهل مكة فهموا به فمنعه الأحابيش فرجع فبعث عثمان بن عفان رضى الله عنه فأخبرهم أنه عليه الصلاة والسلام لم يأت لحرب وإنما جاء زائرا لهذا البيت معظما لحرمته فوقروه وقالوا إن شئت أن تطوف بالبيت فافعل فقال ما كنت لأطوف قبل أن يطوف رسول الله صلىاللهعليهوسلم واحتبس عندهم فأرجف بأنهم قتلوه فقال عليه الصلاة والسلام لا نبرح حتى نناجز القوم ودعا الناس إلى البيعة فبايعوه تحت الشجرة وكانت