(وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٤٩)
____________________________________
قضاء الأمر والثواء فى أهل مدين والنداء للتنبيه على أن كلا من ذلك برهان مستقل على أن حكايته صلىاللهعليهوسلم للقصة بطريق الوحى الإلهى ولو ذكر أولا نفى ثوائه صلىاللهعليهوسلم فى أهل مدين ثم نفى حضوره صلىاللهعليهوسلم عند النداء ثم نفى حضوره عند قضاء الأمر كما هو الموافق للترتيب الوقوعى لربما توهم أن الكل دليل واحد على ما ذكر كما مر فى سورة البقرة (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ) أى عقوبة (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أى بما افترقوا من الكفر والمعاصى (فَيَقُولُوا) عطف على (تُصِيبَهُمْ) داخل فى حيز لو لا الامتناعية على أن مدار انتفاء ما يجاب به هو امتناعه لا امتناع المعطوف عليه وإنما ذكره فى حيزها للإيذان بأنه السبب الملجىء لهم إلى قولهم (رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) أى هلا أرسلت إلينا رسولا مؤيدا من عندك بالآيات (فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) الظاهرة على يده وهو جواب لو لا الثانية (وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بها وجواب لو لا الأولى* محذوف ثقة بدلالة الحال عليه والمعنى لو لا قولهم هذا عند إصابة عقوبة جناياتهم التى قدموها ما أرسلناك لكن لما كان قولهم ذلك محققا لا محيد عنه أرسلناك قطعا لمعاذيرهم بالكلية (فَلَمَّا جاءَهُمُ) أى أهل مكة (الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا) وهو القرآن المنزل عليه صلىاللهعليهوسلم (قالُوا) تعنتا واقتراحا (لَوْ لا أُوتِيَ) يعنونه صلىاللهعليهوسلم (مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى) من الكتاب المنزل جملة وأما اليد والعصا فلا تعلق لهما بالمقام كسائر معجزاته عليه الصلاة والسلام وقوله تعالى (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) رد عليهم وإظهار لكون ما قالوه تعنتا محضا لا طلبا لما يرشدهم إلى الحق أى ألم يكفروا من قبل هذا القول بما أوتى موسى من الكتاب كما كفروا بهذا الحق وقوله تعالى (قالُوا) استئناف مسوق لتقرير كفرهم المستفاد من الإنكار السابق وبيان كيفيته وقوله تعالى (سِحْرانِ) خبر لمبتدأ محذوف أى هما يعنون ما أوتى محمد وما أوتى موسى عليهماالسلام سحران (تَظاهَرا) أى تعاونا بتصديق كل واحد منهما الآخر وذلك أنهم بعثوا رهطا منهم إلى رؤساء اليهود فى عيدلهم فسألوهم عن شأنه صلىاللهعليهوسلم فقالوا إنا نجده فى التوراة بنعته وصفته فلما رجع الرهط وأخبروهم بما قالت اليهود قالوا ذلك وقوله تعالى (وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ) أى بكل واحد من الكتابين (كافِرُونَ) تصريح بكفرهم* بهما وتأكيد لكفرهم المفهوم من تسميتهما سحرا وذلك لغاية عتوهم وتماديهم فى الكفر والطغيان وقرىء ساحران تظاهران يعنون موسى ومحمدا صلّى الله عليهما وسلم هذا هو الذى تستدعيه جزالة النظم الجليل فتأمل ودع عنك ما قيل وقيل ألا ترى إلى قوله تعالى (قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما) مما أوتياه