(وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٤٦)
____________________________________
إلا بالمشاهدة أو التعلم ممن شاهدها وحيث انتفى كلاهما تبين أنه بوحى من علام الغيوب لا محالة على طريقة قوله تعالى (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) الآية أى وما كنت بجانب الجبل الغربى أو المكان الغربى الذى وقع فيه الميقات على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه أو الجانب* الغربى على إضافة الموصوف إلى الصفة كمسجد الجامع (إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) أى عهدنا إليه* وأحكمنا أمر نبوته بالوحى وإيتاء التوراة (وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) أى من جملة الشاهدين للوحى وهم السبعون المختارون للميقات حتى تشاهد ما جرى من أمر موسى فى ميقاته وكتبة التوراة له فى الألواح فتخبره للناس (وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً) أى ولكنا خلقنا بين زمانك وزمان موسى قرونا كثيرة (فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) وتمادى الأمد فتغيرت الشرائع والأحكام وعميت عليهم الأنباء لا سيما على آخرهم فاقتضى الحال التشريع الجديد فأوحينا إليك فحذف المستدرك اكتفاء بذكر ما يوجبه ويدل عليه وقوله تعالى (وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) نفى لاحتمال كون معرفته عليه الصلاة والسلام للقصة بالسماع ممن شاهدها أى وما كنت مقيما فى أهل مدين من شعيب والمؤمنين به وقوله تعالى (تَتْلُوا عَلَيْهِمْ) أى تقرأ على أهل مدين بطريق التعلم منهم (آياتِنا) الناطقة بالقصة إما حال من المستكن فى ثاويا أو خبر ثان لكنت (وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) إياك وموحين إليك تلك الآيات ونظائرها (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا) أى وقت ندائنا موسى إنى أنا الله رب العالمين واستنبائنا إياه وإرسالنا له إلى فرعون (وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أى ولكن أرسلناك بالقرآن الناطق بما ذكر وبغيره لرحمة عظيمة كائنة منا لك وللناس وقيل علمناك وقيل عرفناك ذلك وليس بذاك كما ستعرفه والالتفات إلى اسم الرب للإشعار بعلة الرحمة وتشريفه صلىاللهعليهوسلم بالإضافة وقد اكتفى عن ذكر المستدرك ههنا بذكر ما يوجبه من جهته تعالى كما اكتفى عنه فى الأول بذكر ما يوجبه من جهة الناس وصرح به فيما بينهما تنصيصا على ما هو المقصود وإشعارا بأنه المراد فيهما أيضا ولله در شأن التنزيل وقوله تعالى (لِتُنْذِرَ قَوْماً) متعلق بالفعل المعلل بالرحمة فهو ما ذكرنا من إرساله صلىاللهعليهوسلم بالقرآن حتما لما أنه المعلل بالإنذار لا تعليم ما ذكر وقرىء رحمة بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وقوله تعالى (ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) صفة لقوما أى لم يأتهم نذير لوقوعهم فى فترة بينك وبين عيسى وهى خمسمائة وخمسون سنة أو بينك وبين إسمعيل بناء على أن دعوة موسى وعيسى عليهما* السلام كانت مختصة ببنى إسرائيل (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أى يتعظون بإنذارك وتغيير الترتيب الوقوعى بين