(فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (١٩)
____________________________________
إلى بعض على مقدار معين يليق بحال أبناء السبيل قيل كان الغادى من قرية يقيل فى أخرى والرائح منها يبيت فى أخرى إلى أن يبلغ الشام كل ذلك كان تكميلا لما أوتوا من أنواع النعماء وتوفيرا لها فى الحضر والسفر (سِيرُوا فِيها) على إرادة القول أى وقلنا لهم سيروا فى تلك القرى (لَيالِيَ وَأَيَّاماً) أى متى شئنم* من الليالى والأيام (آمِنِينَ) من كل ما تكرهونه لا يختلف الأمن فيها باختلاف الأوقات أو سيروا* فيها آمنين وإن تطاولت مدة سفركم وامتدت ليالى وأياما كثيرة أو سيروا فيها ليالى أعماركم وأيامها لا تلقون فيها إلا الأمن لكن لا على الحقيقة بل على تنزيل تمكينهم من السير المذكور وتسوية مباديه وأسبابه على الوجه المذكور منزلة أمرهم بذلك (فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) وقرىء يا ربنا بطروا النعمة وسئموا أطيب العيش وملوا العافية فطلبوا الكد والتعب كما طلب بنو إسرائيل الثوم والبصل مكان المن والسلوى وقالوا لو كان جنى جناننا أبعد لكان أجدر أن نشتهيه وسألوا أن يجعل الله تعالى بينهم وبين الشام مفاوز وقفارا ليركبوا فيها الرواحل ويتزودوا الأزواد ويتطاولوا فيها على الفقراء فعجل الله تعالى لهم الإجابة بتخريب تلك القرى المتوسطة وجعلها بلقعا لا يسمع فيها داع ولا مجيب وقرىء بعد وربنا بعد بين أسفارنا وبعد بين أسفارنا على النداء وإسناد الفعل إلى بين ورفعه به كما يقال سير فرسخان وبوعد بين أسفارنا وقرىء ربنا باعد بين أسفارنا وبين سفرنا وبعد برفع ربنا على الابتداء والمعنى على خلاف الأول وهو استبعاد مسايرهم مع قصرها أو دنوها وسهولة سلوكها لفرط تنعمهم وغاية ترفههم وعدم اعتدادهم بنعم الله تعالى كأنهم يتشاجون على الله تعالى ويتحازنون عليه (وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) حيث عرضوها للسخط* والعذاب حين بطروا النعمة أو غمطوها (فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) أى جعلناهم بحيث يتحدث الناس بهم متعجبين من أحوالهم ومعتبرين بعاقبتهم ومآلهم (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) أى فرقناهم كل تفريق على أن الممزق مصدرا وكل مطرح ومكان تفريق على أنه اسم مكان وفى عبارة التمزيق الخاص بتفريق المتصل وخرفه من تهويل الأمر والدلالة على شدة التأثير والإيلام مالا يخفى أى مزقناهم تمزيقا لا غاية وراءه بحيث يضرب به الأمثال فى كل فرقة ليس بعدها وصال حتى لحق غسان بالشأم وأنمار بيثرب وجذام بتهامة والأزد بعمان وأصل قصتهم على ما رواه الكلبى عن أبى صالح أن عمرو بن عامر من أولاد سبأ وبينهما اثنى عشر أبا وهو الذى يقال له مزيقيا بن ماء السماء أخبرته طريفة الكاهنة بخراب سد مأرب وتفريق سيل العرم الجنتين وعن أبى زيد الأنصارى أن عمرا رأى جرزا يفر السد فعلم أنه لا بقاء له بعد وقيل إنه كان كاهنا وقد علمه بكهانته فباع أملاكه وسار بقومه وهم ألوف من بلد إلى بلد حتى انتهى إلى مكة المعظمة وأهلها جرهم وكانوا قهروا الناس وحازوا ولاية البيت على بنى إسمعيل عليهالسلام وغيرهم فأرسل إليهم ثعلبة بن عمرو ابن عامر يسألهم المقام معهم إلى أن يرجع إليه رواده الذين أرسلهم إلى أصقاع البلاد يطلبون له موضعا