(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٠) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) (١١)
____________________________________
التكبر وقرىء بفتح العين أى مانعا لتعطفه (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) متعلق بيجادل فإن غرضه الإضلال* عنه وإن لم يعترف بأنه إضلال والمراد به إما الإخراج من الهدى إلى الضلال فالمفعول من يجادله من المؤمنين أو الناس جميعا بتغليب المؤمنين على غيرهم وإما التثبيت على الضلال أو الزيادة عليه مجازا فالمفعول هم الكفرة خاصة وقرىء بفتح الياء وجعل ضلاله غاية لجداله من حيث إن المراد به الضلال المبين الذى لا هداية له بعده مع تمكنه منها قبل ذلك (لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) جملة مستأنفة مسوقة لبيان نتيجة ما سلكه من الطريقة* أى يثبت له فى الدنيا بسبب ما فعله خزى وهو ما أصابه يوم بدر من القتل والصغار (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) أى النار المحرقة (ذلِكَ) أى ما ذكر من العذاب الدنيوى والأخروى وما فيه من معنى البعد للإيذان بكونه فى الغاية القاصية من الهول والفظاعة وهو مبتدأ خبره قوله تعالى (بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) أى بسبب ما اقترفته من الكفر والمعاصى وإسناده إلى يديه لما أن الاكتساب عادة يكون بالأيدى والالتفات لتأكيد الوعيد وتشديد التهديد ومحل أن فى قوله عز وعلا (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أى والأمر أنه تعالى ليس بمعذب لعبيده بغير ذنب من قبلهم والتعبير عن ذلك بنفى الظلم مع أن تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم قطعا على ما نقرر من قاعدة أهل السنة فضلا عن كونه ظلما بالغا قد مر تحقيقه فى سورة آل عمران والجملة اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبلها وأما ما قيل من أن محل أن هو الجر بالعطف على ما قدمت فقد عرفت حاله فى سورة الأنفال (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) شروع فى بيان حال المذبذبين إثر بيان حال المجاهرين أى ومنهم من يعبده تعالى على طرف من الدين لا ثبات له فيه كالذى ينحرف إلى طرف الجيش فإن أحس بظفر قر وإلا فر (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ) أى دنيوى من الصحه والسعة (اطْمَأَنَّ بِهِ) أى ثبت على ما كان عليه ظاهرا لا أنه اطمأن به اطمئنان المؤمنين الذين لا يلويهم عنه صارف ولا يثنيهم عاطف (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ) أى شىء يفتتن به من مكروه يعتريه فى نفسه أو أهله أو ماله (انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) روى أنها نزلت فى أعاريب قدموا المدينة وكان أحدهم إذا صح بدنه ونتجت فرسه مهرا سريا وولدت امرأته ولدا سويا وكثر ماله وما شيته قال ما أصبت منذ دخلت فى دينى هذا إلا خيرا واطمأن وإن كان الأمر بخلافه قال ما أصبت إلا شرا وانقلب وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن يهوديا أسلم فأصابته مصائب فتشاءم بالإسلام فأتى النبى صلىاللهعليهوسلم فقال أقلنى فقال صلىاللهعليهوسلم إن الإسلام لا يقال فنزلت وقيل نزلت فى المؤلفة قلوبهم (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) فقدهما وضيعهما بذهاب عصمته وحبوط عمله بالارتداد وقرىء خاسر بالنصب على الحال والرفع على الفاعلية ووضع الظاهر موضع الضمير