(إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (٩٢)
____________________________________
(إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها) أمر صلىاللهعليهوسلم أن يقول لهم ذلك بعد ما بين لهم أحوال المبدأ والمعاد وشرح أحوال القيامة تنبيها لهم على أنه قد أتم أمر الدعوة بما لا مزيد عليه ولم يبق له صلىاللهعليهوسلم بعد ذلك شأن سوى الاشتغال بعبادة الله عزوجل والاستغراق فى مراقبته غير مبال بهم ضلوا أم رشدوا صلحوا أو فسدوا ليحملهم ذلك على أن يهتموا بأمور أنفسهم ولا يتوهموا من شدة اعتنائه صلىاللهعليهوسلم بأمر دعوتهم أنه صلىاللهعليهوسلم يظهر لهم ما يلجئهم إلى الإيمان لا محالة ويشتغلوا بتدارك أحوالهم ويتوجهوا نحو التدبر فيما شاهدوه من الآيات الباهرة والبلدة هى مكة المعظمة وتخصيصها بالإضافة لتفخيم شأنها وإجلال مكانها والتعرض لتحريمه تعالى إياها تشريف لها بعد تشريف وتعظيم إثر تعظيم مع ما فيه من الإشعار بعلة الأمر وموجب الامتثال به كما فى قوله تعالى (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) ومن الرمز إلى غاية شناعة ما فعلوا فيها ألا يرى أنهم مع كونها محرمة من أن تنتهك حرمتها باختلاء خلاها وعضد شجرها وتنفير صيدها وإرادة الإلحاد فيها بوجه من الوجوه قد استمروا فيها على تعاطى أفجر أفراد الفجور وأشنع آحاد الإلحاد حيث تركوا عبادة ربها ونصبوا فيها الأوثان وعكفوا على* عبادتها قاتلهم الله أنى يؤفكون وقرىء حرمها بالتخفيف وقوله تعالى (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) أى خلقا وملكا وتصرفا من غير أن يشاركه شىء فى شىء من ذلك تحقيق للحق وتنبيه على أن إفراد مكة بالإضافة لما ذكر* من التفخيم والتشريف مع عموم الربوبية لجميع الموجودات (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أى أثبت على ما كنت عليه من كونى من جملة الثابتين على ملة الإسلام والتوحيد أى الذين أسلموا وجوههم لله خالصة من قوله تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) أى أواظب على تلاوته لتنكشف لى حقائقه الرائعة المخزونة فى تضاعيفه شيئا فشيئا أو على تلاوته على الناس بطريق تكرير الدعوة وتثنية الإرشاد فيكون ذلك تنبيها على كفايته فى الهداية والإرشاد من غير حاجة إلى إظهار* معجزة أخرى فمعنى قوله تعالى (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) حينئذ فمن اهتدى بالإيمان به والعمل بما فيه من الشرائع والأحكام وعلى الأول فمن اهتدى باتباعه إياى فيما ذكر من العبادة والإسلام وتلاوة القرآن فإنما منافع اهتدائه عائدة إليه لا إلى (وَمَنْ ضَلَّ) بالكفر به والإعراض عن العمل بما فيه أو* بمخالفتى فيما ذكر (فَقُلْ) فى حقه (إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) وقد خرجت عن عهدة الإنذار فليس على من وبال ضلاله شىء وإنما هو عليه فقط.