(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩) وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٩٠)
____________________________________
فإنه مما لا ارتباط له بالمقام قطعا والحق الذى لا محيد عنه ما قدمناه ومما هو نص فى الباب ما سيأتى من قوله تعالى (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (صُنْعَ اللهِ) مصدر مؤكد لمضمون ما قبله أى صنع الله ذلك صنعا على أنه عبارة عما ذكر من النفخ فى الصور وما ترتب عليه جميعا قصد به التنبيه على عظم شأن تلك الأفاعيل وتهويل أمرها والإيذان بأنها ليست بطريق إخلال نظام العالم وإفساد أحوال الكائنات بالكلية من غير أن يدعو إليها داعية أو يكون لها عاقبة بل هى من قبيل بدائع صنع الله تعالى المبنية على أساس الحكمة المستتبعة للغايات الجميلة التى لأجلها رتبت مقدمات الخلق ومبادى الإبداع على الوجه المتين والنهج الرصين كما يعرب عنه قوله تعالى (الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) أى أحكم خلقه وسواه على ما تقتضيه الحكمة وقوله تعالى (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) تعليل لكون ما ذكر صنعا محكما له تعالى ببيان أن علمه تعالى بظواهر أفعال المكلفين وبواطنها مما يدعو إلى إظهارها وبيان كيفياتها على ما هى عليه من الحسن والسوء وترتيب أجزيتها عليها بعد بعثهم وحشرهم وجعل السموات والأرض والجبال على وفق ما نطق به التنزيل ليتحققوا بمشاهدة ذلك أن وعد حق لا ريب فيه وقرىء خبير بما يفعلون وقوله تعالى (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) بيان لما أشير إليه بإحاطة علمه تعالى بأفعالهم من ترتيب أجزيتها عليها أى من جاء منكم أو من أولئك الذين أتوه تعالى بالحسنة فله من الجزاء ما هو خير منها إما باعتبار أنه أضعافها وإما باعتبار دوامه وانقضائها وقيل فله خير حاصل من جهتها وهو الجنة وعن ابن عباس رضى الله عنهما الحسنة كلمة الشهادة (وَهُمْ) أى الذين جاءوا بالحسنات (مِنْ فَزَعٍ) أى عظيم هائل لا يقادر قدره وهو الفزع الحاصل من مشاهدة العذاب بعد تمام المحاسبة وظهور الحسنات والسيئات وهو الذى فى قوله تعالى (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) وعن الحسن رحمهالله تعالى حين يؤمر بالعبد إلى النار وقال ابن جريج حين يذبح الموت وينادى المنادى يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت (يَوْمَئِذٍ) أى يوم إذ ينفخ فى الصور (آمِنُونَ) لا يعتريهم ذلك الفزع الهائل ولا يلحقهم ضرره أصلا وأما الفزع الذى يعترى كل من فى السموات ومن فى الأرض غير من استثناه الله تعالى فإنما هو التهيب والرعب الحاصل فى ابتداء النفخة من معاينة فنون الدواهى والأهوال ولا يكاد يخلو منه أحد بحكم الجبلة وإن كان آمنا من لحوق الضرر والأمن يستعمل بالجار وبدونه كما فى قوله تعالى (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ) وقرىء من فزع يومئذ بالإضافة مع كسر الميم وفتحها أيضا والمراد هو الفزع المذكور فى القراءة الأولى لا جميع الأفزاع الحاصلة يومئذ ومدار الإضافة كونه أعظم الأفزاع وأكبرها كأن ما عداه ليس بفزع بالنسبة إليه (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) قيل هو الشرك (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) أى كبوا فيها على وجوههم منكوسين أو كبت فيها أنفسهم على طريقة ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) على الالتفات للتشديد أو على إضمار القول أى مقولا لهم ذلك.