(وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) (٨٨)
____________________________________
طامة كبرى وداهية دهياء حقيقة بالتذكير على حيالها ولو روعى الترتيب الوقوعى لربما توهم أن الكل داهية واحدة قد أمر بذكرها كما مر فى قصة البقرة (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) أى أن لا يفزع قيل هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل عليهمالسلام وقيل الحور والخزنة وحملة العرش (وَكُلٌّ) أى كل واحد من المبعوثين عند النفخة (أَتَوْهُ) حضروا الموقف بين يدى رب العزة جل جلاله للسؤال والجواب والمناقشة والحساب وقرىء أتاه باعتبار لفظ الكل كما أن القراءة الأولى باعتبار معناه وقرىء آتوه أى ٨٨ حاضروه (داخِرِينَ) أى صاغرين وقرىء دخرين وقوله تعالى (وَتَرَى الْجِبالَ) عطف على ينفخ داخل فى حكم التذكير وقوله عزوجل (تَحْسَبُها جامِدَةً) أى ثابتة فى أماكنها إما بدل منه أو حال من ضمير ترى أو من مفعوله وقوله تعالى (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) حال من ضمير الجبال فى تحسبها أو فى جامدة أى تراها رأى العين ساكنة والحال أنها تمر مر السحاب التى تسيرها الرياح سيرا حثيثا وذلك أن الأجرام العظام إذا تحركت نحو سمت لا تكاد تتبين حركتها وعليه قول من قال[بأر عن مثل الطود تحسب أنهم * وقوف لحاج والركاب تهملج] وقد أدمج فى هذا التشبيه حال الجبال بحال السحاب فى تخلخل الأجزاء وانتفاشها كما فى قوله تعالى (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) وهذا أيضا مما يقع بعد النفخة الثانية عند حشر الخلق يبدل الله عزوجل الأرض غير الأرض ويغير هيآتها ويسير الجبال عن مقارها على ما ذكر من الهيئة الهائلة ليشاهدها أهل المحشر وهى وإن اندكت وتصدعت عند النفخة الأولى لكن تسييرها وتسوية الأرض إنما يكونان بعد النفخة الثانية كما نطق به قوله تعالى (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ) وقوله تعالى (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) فإن اتباع الداعى الذى هو إسرافيل عليهالسلام وبروز الخلق لله تعالى لا يكون إلا بعد النفخة الثانية وقد قالوا فى تفسير قوله تعالى (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ) أن صيغة الماضى فى المعطوف مع كون المعطوف عليه مستقبلا للدلالة على تقدم الحشر على التسيير والرؤية كأنه قيل وحشرناهم قبل ذلك هذا وقد قيل إن المراد هى النفخة الأولى والفزع هو الذى يستتبع الموت لغاية شدة الهول كما فى قوله تعالى (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) الآية فيختص أثرها بما كان حيا عند وقوعها دون من مات قبل ذلك من الأمم وجوز أن يراد بالإتيان داخرين رجوعهم إلى أمره تعالى وانقيادهم له ولا ريب فى أن ذلك مما ينبغى أن ينزه ساحة التنزيل عن أمثاله وأبعد من هذا ما قبل إن المراد بهذه النفخة نفخة الفزع التى تكون قبل نفخة الصعق وهى التى أريدت بقوله تعالى (ما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ) فيسير الله تعالى عندها الجبال فتمر مر السحاب فتكون سرابا وترج الأرض بأهلها رجا فتكون كالسفينة الموثقة فى البحر أو كالقنديل المعلق ترججه الأرواح