(أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٨٦) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) (٨٧)
____________________________________
(أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ) الرؤية قلبية لا بصرية لأن نفس الليل والنهار وإن كانا من المبصرات لكن جعلهما كما ذكر من قبيل المعقولات أى ألم يعلموا أنا جعلنا الليل بما فيه من الإظلام ليستريحوا فيه بالنوم والقرار (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أى ليبصروا بما فيه من الإضاءة طرق التقلب فى أمور المعاش فبولغ* فيه حيث جعل الإبصار الذى هو حال الناس حالا له ووصفا من أوصافه التى جعل عليها بحيث لا ينفك عنها ولم يسلك فى الليل هذا المسلك لما أن تأثير ظلام الليل فى السكون ليس بمثابة تأثير ضوء النهار فى الإبصار (إِنَّ فِي ذلِكَ) أى فى جعلهما كما وصفا وما فى اسم الإشارة من معنى البعد للإشعار ببعد درجته فى الفضل (لَآياتٍ) أى عظيمة كثيرة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) دالة على صحة البعث وصدق الآيات الناطقة به دلالة* واضحة كيف لا وأن من تأمل فى تعاقب الليل والنهار واختلافهما على وجوه بديعة مبنية على حكم رائقة تحار فى فهمها العقول ولا يحيط بها إلا الله عزوجل وشاهد فى الآفاق تبدل ظلمة الليل المحاكية للموت بضياء النهار المضاهى للحياة وعاين فى نفسه تبدل النوم الذى هو أخو الموت بالانتباه الذى هو مثل الحياة قضى بأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من فى القبور قضاء متقنا وجزم بأنه تعالى قد جعل هذا أنموذجا له ودليلا يستدل به على تحققه وأن الآيات الناطقة به وبكون حال الليل والنهار برهانا عليه وسائر الآيات كلها حق نازل من عند الله تعالى (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) إما معطوف على يوم نحشر منصوب بناصبه أو بمضمر معطوف عليه والصور هو القرن الذى ينفخ فيه إسرافيل عليهالسلام. عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لما فرغ الله تعالى من خلق السموات والأرض خلق الصور فأعطاء إسرافيل فهو واضعه على فيه شاخص بصره إلى العرش متى يؤمر قال قلت يا رسول الله ما الصور قال القرن قال قلت كيف هو قال عظيم والذى نفسى بيده إن عظم دارة فيه كعرض السماء والأرض فيؤمر بالنفخ فيه فينفخ نفخة لا يبقى عندها فى الحياة أحد غير من شاء الله تعالى وذلك قوله تعالى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) ثم يؤمر بأخرى فينفخ نفخة لا يبقى معها ميت إلا بعث وقام وذلك قوله تعالى (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) والذى يستدعيه سباق النظم الكريم وسياقه أن المراد بالنفخ ههنا هى النفخة الثانية وبالفزع فى قوله تعالى (فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) ما يعترى الكل عند البعث والنشور بمشاهدة الأمور الهائلة الخارقة للعادات فى الأنفس والآفاق من الرعب والتهيب الضروريين الجبلين وإيراد صيغة الماضى مع كون المعطوف عليه أعنى ينفخ مضارعا للدلالة على تحقق وقوعه إثر النفخ ولعل تأخير بيان الأحوال الواقعة عند ابتداء النفخة عن بيان ما يقع بعدها من حشر المكذبين من كل أمة لتثنية التهويل بتكرير التذكير إيذانا بأن كل واحد منهما