(وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٨١) وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) (٨٢)
____________________________________
لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) الخ تعليل آخر للتوكل الذى هو عبارة عن التبتل إلى الله تعالى وتفويض الأمر إليه والإعراض عن التشبث بما سواه وقد علل أولا بما يوجبه من جهته تعالى أعنى قضاءه بالحق وعزته وعلمه تعالى وثانيا بما يوجبه من جهته عليه الصلاة والسلام على أحد الوجهين أعنى كونه عليه الصلاة والسلام على الحق ومن جهته تعالى على الوجه الآخر أعنى إعانته تعالى وتأييده للمحق ثم علل ثالثا بما يوجبه لكن لا بالذات بل بواسطة إيجابه للإعراض عن التشبث بما سواه تعالى فإن كونهم كالموتى والصم والعمى موجب لقطع الطمع عن مشايعتهم ومعاضدتهم رأسا وداع إلى تخصيص الاعتضاد به تعالى وهو المعنى بالتوكل عليه تعالى وإنما شبهوا بالموتى لعدم تأثرهم بما يتلى عليهم من القوارع وإطلاق الإسماع عن المفعول لبيان عدم سماعهم لشىء من المسموعات ولعل المراد تشبيه قلوبهم بالموتى فيما ذكر من عدم الشعور فإن القلب مشعر من المشاعر أشير إلى بطلانه بالمرة ثم بين بطلان مشعرى الأذن والعين كما فى قوله تعالى (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها) وإلا فبعد تشبيه أنفسهم بالموتى لا يظهر لتشبيههم بالصم والعمى مزيد مزية (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ) أى الدعوة إلى أمر من الأمور وتقييد النفى بقوله تعالى (إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) لتكميل التشبيه وتأكيد النفى فإنهم مع صممهم عن الدعاء إلى الحق معرضون عن الداعى مولون على أدبارهم ولا ريب فى أن الأصم لا يسمع الدعاء مع كون الداعى بمقابلة صماخه قريبا منه فكيف إذا كان خلفه بعيدا منه وقرىء ولا يسمع الصم الدعاء (وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) هداية موصلة إلى المطلوب كما فى قوله تعالى (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) فإن الاهتداء منوط بالبصر وعن متعلقة بالهداية باعتبار تضمنه معنى الصرف وقيل بالعمى يقال عمى عن كذا وفيه بعد وإيراد الجملة الاسمية للمبالغة فى نفى الهداية وقرىء وما أنت تهدى العمى (إِنْ تُسْمِعُ) أى ما تسمع سماعا يجدى السامع نفعا (إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) أى من من شأنهم الإيمان بها وإيراد الإسماع فى النفى والإثبات دون الهداية مع قربها بأن يقال إن تهدى إلا من يؤمن الخ لما أن طريق الهداية هو إسماع الآيات التنزيلية (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) تعليل لإيمانهم بها كأنه قيل فإنهم منقادون للحق وقيل مخلصون لله تعالى من قوله تعالى (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) بيان لما أشير إليه بقوله تعالى (بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) من بقية ما يستعجلونه من الساعة ومباديها والمراد بالقول ما نطق من الآيات الكريمة بمجىء الساعة وما فيها من فنون الأهوال التى كانوا يستعجلونها وبوقوعه قيامها وحصولها عبر عن ذلك به للإيذان بشدة وقعها وتأثيرها وإسناده إلى القول لما أن المراد بيان وقوعها من حيث إنها مصداق للقول الناطق بمجيئها وقد أريد بالوقوع دنوه واقترابه كما فى قوله تعالى (أَتى أَمْرُ اللهِ) أى إذا دنا وقوع مدلول القول