(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ تَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٦٣)
____________________________________
(وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ) أى جبالا ثوابت تمنعها أن تميد بأهلها ويتكون فيها المعادن وينبع فى حضيضها الينابيع ويتعلق بها من المصالح مالا يحصى (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ) أى العذب والمالح أو خليجى فارس والروم (حاجِزاً) برزخا مانعا من الممازجة وقد مر فى سورة الفرقان والجعل فى المواقع الثلاثة الأخيرة إبداعى وتأخير مفعوله عن الظرف لما مر مرارا من التشويق (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) فى الوجود أو فى إبداع هذه البدائع على ما مر (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أى شيئا من الأشياء ولذلك لا يفهمون بطلان ما هم عليه من* الشرك مع كمال ظهوره (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ) وهو الذى أحوجته شدة من الشدائد وألجأته إلى اللجأ والضراعة إلى الله عزوجل اسم مفعول من الاضطرار الذى هو افتعال من الضرورة وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما هو المجهود وعن السدى رحمهالله تعالى من لا حول له ولا قوة وقيل المذنب إذا استغفر واللام للجنس لا للاستغراق حتى يلزم إجابة كل مضطر (وَيَكْشِفُ السُّوءَ) وهو الذى يعترى* الإنسان مما يسوؤه (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) أى خلفاء فيها بأن ورثكم سكناها والتصرف فيها ممن قبلكم من الأمم وقيل المراد بالخلافة الملك والتسلط (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) الذى يفيض على كافة الأنام هذه النعم الجسام (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) أى تذكرا قليلا أو زمانا قليلا تتذكرون وما مزيدة لتأكيد معنى القلة التى* أريد بها العدم أو ما يجرى مجراه فى الحقارة وعدم الجدوى وفى تذييل الكلام بنفى التذكر عنهم إيذان بأن مضمونه مركوز فى ذهن كل ذكى وغبى وأنه من الوضوح بحيث لا يتوقف إلا على التوجه إليه وتذكره وقرىء تتذكرون على الأصل وتذكرون ويذكرون بالتاء والياء مع الإدغام (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) أى فى ظلمات الليالى فيهما على أن الإضافة للملابسة أو فى مشتبهات الطرق يقال طريقة ظلماء وعمياء للتى لا منار بها (وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) وهى المطر ولئن صح أن السبب* الأكثرى فى تكون الريح معاودة الأدخنة الصاعدة من الطبقة الباردة لانكسار حرها وتمويجها للهواء فلا ريب فى أن الأسباب الفاعلية والقابلية لذلك كله من خلق الله عزوجل والفاعل للسبب فاعل للمسبب قطعا (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) نفى لأن يكون معه إله آخر وقوله تعالى (تَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) تقرير* وتحقيق له وإظهار الاسم الجليل فى موقع الإضمار للإشعار بعلة الحكم أى تعالى وتنزه بذاته المنفردة بالألوهية المستتبعة لجميع صفات الكمال ونعوت الجمال والجلال المقتضية لكون كل المخلوقات مقهورا تحت قدرته عما يشركون أى عن وجود ما يشركونه به تعالى لا مطلقا فإن وجوده مما لا مرد له بل عن