(أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٦١)
____________________________________
قوله تعالى (فَأَنْبَتْنا) لتأكيد اختصاص الفعل بذاته تعالى والإيذان بأن إنبات تلك الحدائق المختلفة الأصناف والأوصاف والألوان والطعوم والروائح والأشكال مع مالها من الحسن البارع والبهاء الرائع بماء واحد مما لا يكاد يقدر عليه إلا هو وحده حسبما ينبىء عنه تقييدها بقوله تعالى (ما كانَ لَكُمْ) الخ سواء كانت صفة لها أو حالا وتوحيد وصفها الأول أعنى ذات بهجة لما أن المعنى جماعة حدائق ذات* بهجة على نهج قولهم النساء ذهبت وكذا الحال فى ضمير شجرها (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) أى أإله آخر كائن مع الله الذى ذكر بعض أفعاله التى لا يكاد يقدر عليها غيره حتى يتوهم جعله شريكا له تعالى فى العبادة وهذا تبكيت لهم بنفى الألوهية عما يشركونه به تعالى فى ضمن النفى الكلى على الطريقة البرهانية بعد تبكيتهم بنفى الخيرية عنه بما ذكر من الترديد فإن أحدا ممن له تمييز فى الجملة كما لا يقدر على إنكار انتفاء الخيرية عنه بالمرة لا يكاد يقدر على إنكار انتفاء الألوهية عنه رأسا لا سيما بعد ملاحظة انتفاء أحكامها عما سواه تعالى وهكذا الحال فى المواقع الأربعة الآتية وقيل المراد نفى أن يكون معه تعالى إله آخر فيما ذكر من الخلق وما عطف عليه لكن لا على أن التبكيت بنفس ذلك النفى فقط كيف لا وهم لا ينكرونه حسبما ينطق به قوله تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) بل بإشراكهم به تعالى فى العبادة ما يعترفون بعدم مشاركته له تعالى فيما ذكر من لوازم الألوهية كأنه قيل أإله آخر مع الله فى خواص الألوهية حتى يجعل شريكا له تعالى فى العبادة وقيل المعنى أغيره يقرن به ويجعل له شريكا فى العبادة مع تفرده تعالى بالخلق والتكوين فالإنكار للتوبيخ والتبكيت مع تحقيق المنكر دون النفى كما فى الوجهين السابقين والأول هو الأظهر الموافق لقوله تعالى (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ) والأوفى بحق المقام لافادته نفى وجود إله آخر معه تعالى رأسا لا نفى معيته فى الخلق وفروعه فقط وقرىء آإله بتوسيط مدة بين الهمزتين* وبإخراج الثانية بين بين وقرىء أإلها بإضمار فعل يناسب المقام مثل أندعون أو أتشركون (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) إضراب وانتقال من تبكيتهم بطريق الخطاب إلى بيان سوء حالهم وحكايته لغيرهم أى بل هم قوم عادتهم العدول عن طريق الحق بالكلية والانحراف عن الاستقامة فى كل أمر من الأمور فلذلك يفعلون ما يفعلون من العدول عن الحق الواضح الذى هو التوحيد والعكوف على الباطل البين الذى هو الإشراك وقيل يعدلون به تعالى غيره وهو بعيد خال عن الإفادة (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً) قيل هو بدل من أم من خلق السموات الخ وكذا ما بعده من الجمل الثلاث وحكم الكل واحد والأظهر أن كل واحدة منها إضراب وانتقال من التبكيت بما قبلها إلى التبكيت بوجه آخر أدخل فى الإلزام بجهة من الجهات أى جعلها بحيث يستقر عليها الإنسان والدواب بإبداء بعضها من الماء ودحوها وتسويتها حسبما تدور عليه منافعهم (وَجَعَلَ خِلالَها) أوساطها (أَنْهاراً) جارية ينتفعون بها