(إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ) (٢٥)
____________________________________
والسلام وبين مأرب وإن كانت قصيرة لكن مدة ما بين نزوله عليه الصلاة والسلام هناك وبين مجىء الهدهد بالخبر أيضا قصيرة نعم اختصاص الهدهد بذلك مع كون الجن أقوى منه مبنى على حكم بالغة يستأثر بها علام الغيوب وقوله تعالى (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) استئناف ببيان ما جاء به من النبأ وتفصيل له إثر الإجمال وهى بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن ريان وكان أبوها ملك أرض اليمن كلها ورث الملك من أربعين أبا ولم يكن له ولد غيرها فغلبت بعده على الملك ودانت لها الأمة وكانت هى وقومها مجوسا يعبدون الشمس وإيثار وجدت على رأيت لما أشير إليه من الإيذان بكونه عند غيبته بصدد خدمته عليه الصلاة والسلام بإبراز نفسه فى معرض من يتفقد أحوالها ويتعرفها كأنها طلبته وضالته ليعرضها على سليمان عليهالسلام وضمير تملكهم لسبأ على أنه اسم لحى أو لأهلها المدلول عليهم بذكر مدينتهم على أنه اسم لها (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) أى من الأشياء التى يحتاج إليها الملوك (وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) قيل كان ثلاثين* ذراعا فى ثلاثين عرضا وسمكا وقيل ثمانين فى ثمانين من ذهب وفضة مكللا بالجواهر وكانت قوائمه من ياقوت أحمر وأخضر ودر وزمرد وعليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق واستعظام الهدهد لعرشها مع ما كان يشاهده من ملك سليمان عليهالسلام إما بالنسبة إلى حالها أو إلى عروش أمثالها من الملوك وقد جوز أن يكون لسليمان عليهالسلام مثله وأياما كان فوصفه بذلك بين يديه عليه الصلاة والسلام لما مر من ترغيبه عليه الصلاة والسلام فى الإصغاء إلى حديثه وتوجيه عزيمته عليه الصلاة والسلام نحو تسخيرها ولذلك عقبه بما وجب غزوها من كفرها وكفر قومها حيث قال (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ) أى يعبدونها متجاوزين عبادة الله تعالى (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) التى هى عبادة الشمس ونظائرها من أصناف الكفر والمعاصى (فَصَدَّهُمْ) بسبب ذلك (عَنِ السَّبِيلِ) أى سبيل الحق والصواب فإن تزيين أعمالهم لا يتصور بدون تقويم طرق كفرهم وضلالهم ومن ضرورته نسبة طريق الحق إلى العوج (فَهُمْ) بسبب ذلك (لا يَهْتَدُونَ) إليه وقوله تعالى (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ) مفعول له إما للصد أو للتزيين على حذف اللام منه أى فصدهم لئلا يسجدوا له تعالى أو زين لهم أعمالهم لئلا يسجدوا أو بدل على حاله من أعمالهم وما بينهما اعتراض أى زين لهم أن لا يسجدوا وقيل هو فى موقع المفعول ليهتدون بإسقاط الخافض ولا مزيدة كما فى قوله تعالى (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) والمعنى فهم لا يهتدون إلى أن يسجدوا له تعالى وقرىء ألا يا اسجدوا على التنبيه والنداء والمنادى محذوف أى ألا يا قوم اسجدوا كما