(فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) (٢١)
____________________________________
لا يشعرون بذلك (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) تعجبا من حذرها واهتدائها إلى تدبير مصالحها ومصالح بنى نوعها وسرورا بشهرة حاله وحال جنوده فى باب التقوى والشفقة فيما بين أصناف المخلوقات التى هى أبعدها من إدراك أمثال هذه الأمور وابتهاجا بما خصه الله تعالى به من إدراك همسها وفهم مرادها روى أنها أحست بصوت الجنود ولا تعلم أنهم فى الهواء فأمر سليمان عليهالسلام الريح فوقفت لئلا يذعرن حتى دخلن مساكنهن (وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ) أى اجعلنى أزع شكر نعمتك عندى* وأكفه وأرتبطه بحيث لا ينفلت عنى حتى لا أنفك عن شكرك أصلا وقرىء بفتح ياء أوزعنى (الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ) أدرج فيه ذكرهما تكثيرا للنعمة فإن الإنعام عليهما إنعام عليه مستوجب للشكر (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) إتماما للشكر واستدامة للنعمة (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) * فى جملتهم الجنة التى هى دار الصالحين (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) أى تعرف أحوال الطير فلم ير الهدهد فيما بينها (فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) كأنه قال أولا مالى لا أراه لساتر ستره أو لسبب آخر ثم بداله أنه غائب فأضرب عنه فأخذ يقول أهو غائب (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) قيل كان تعذيبه للطير بنتف ريشه وتشميسه وقيل بجعله مع ضده فى قفص وقيل بالتفريق بينه وبين إلفه (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) ليعتبر به أبناء جنسه (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) بحجة تبين عذره والحلف فى الحقيقة على أحد الأولين على تقدير عدم الثالث* وقرىء ليأتيننى بنونين أولاهما مفتوحة مشددة قيل إنه عليه الصلاة والسلام لما أتم بناء بيت المقدس تجهز للحج بحشره فوافى الحرم وأقام به ما شاء وكان يقرب كل يوم طول مقامه خمسة آلاف ناقة وخمسة آلاف بقرة وعشرين ألف شاة ثم عزم على السير إلى اليمن فخرج من مكة صباحا يؤم سهيلا فوافى صنعاء وقت الزوال وذلك مسيرة شهر فرأى أرضا حسناء أعجبته خضرتها فنزل ليتغذى ويصلى فلم يجد الماء وكان الهدهد قناقنه وكان يرى الماء من تحت الأرض كما يرى الماء فى الزجاجة فيجىء الشياطين فيسلخونها كما يسلخ الإهاب ويستخرجون الماء فتفقده لذلك وقد كان حين نزل سليمان عليهالسلام حلق الهدهد فرأى هدهدا واقعا فانحط إليه فوصف له ملك سليمان عليهالسلام وما سخر له من كل شىء وذكر له صاحبه ملك بلقيس وأن تحت يدها اثنى عشر ألف قائد تحت يد كل قائد مائة ألف وذهب معه لينظر فما رجع إلا بعد العصر وذلك قوله تعالى.