(حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (١٨)
____________________________________
فيقعد عليه وحوله ستمائة ألف كرسى من ذهب وفضة فيقعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على كراسى الذهب والعلماء على كراسى الفضة وحولهم الناس وحول الناس الجن والشياطين وتظله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه الشمس وترفع ريح الصبا البساط فتسير به مسيرة شهر ويروى أنه كان يأمر الريح العاصف تحمله ويأمر الرخاء تسيره فأوحى الله تعالى إليه وهو يسير بين السماء والأرض إنى قد زدت فى ملكك لا يتكلم أحد بشىء إلا ألقته الريح فى سمعك فيحكى أنه مر بحراث فقال لقد أوتى آل داود ملكا عظيما فألقته الريح فى أذنه فنزل ومشى إلى الحراث وقال إنما مشيت إليك لئلا تتمنى مالا تقدر عليه ثم قال لتسبيحة واحدة يقبلها الله تعالى خير مما أوتى آل داود (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ) حتى هى التى يبتدأ بها الكلام ومع ذلك هى غاية لما قبلها كالتى فى قوله تعالى (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ) الآية وهى ههنا غاية لما ينبىء عنه قوله تعالى (فَهُمْ يُوزَعُونَ) من السير كأنه قيل فساروا حتى إذا أتوا الخ ووادى النمل واد بالشأم كثير النمل على ما قاله مقاتل رضى الله عنه وبالطائف على ما قاله كعب رضى الله عنه وقيل هو واد تسكنه الجن والنمل مراكبهم وتعدية الفعل إليه بكلمة على إما لأن إتيانهم كان من فوق وإما لأن المراد بالإتيان عليه قطعه من قولهم أتى على الشىء إذا أنفده وبلغ آخره ولعلهم أرادوا* أن ينزلوا عند منتهى الوادى إذ حينئذ يخافهم ما فى الأرض لا عند سيرهم فى الهواء وقوله تعالى (قالَتْ نَمْلَةٌ) جواب إذا كأنها لما رأتهم متوجهين إلى الوادى فرت منهم فصاحت صيحة تنبهت بها ما بحضرتها من النمل لمرادها فتبعها فى الفرار فشبه ذلك بمخاطبة العقلاء ومناصحتهم فأجروا مجراهم حيث جعلت هى* قائلة وما عداها من النمل مقولا لهم حيث قيل (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) مع أنه لا يمتنع أن يخلق الله تعالى فيها النطق وفيما عداها العقل والفهم وقرىء نملة يأيها النمل بضم الميم وهو الأصل كالرجل وتسكين الميم تخفيف منه كالسبع فى السبع وقرىء بضم النون والميم قيل كانت نملة عرجاء تمشى وهى تتكاوس فنادت بما قالت فسمع سليمان عليهالسلام كلامها من ثلاثة أميال وقيل كان اسمها طاخية وقرىء* مسكنكم وقوله تعالى (لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ) نهى فى الحقيقة للنمل عن التأخر فى دخول مساكنهم وإن كان بحسب الظاهر نهيا له عليه الصلاة والسلام ولجنوده عن الحطم كقولهم لا أرينك ههنا فهو استئناف أو بدل من الأمر كقول من قال [فقلت له ارحل لا تقيمن عندنا] لا جواب له فإن النون لا تدخله فى السعة وقرىء لا يحطمنكم بالنون الخفيفة وقرىء لا يحطمنكم بفتح الحاء وكسرها وأصله* لا يحتطمنكم وقوله تعالى (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) حال من فاعل يحطمنكم مفيدة لتقييد الحطم بحال عدم شعورهم بمكانهم حتى لو شعروا بذلك لم يحطموا وأرادت بذلك الإيذان بأنها عارفة بشئون سليمان وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من عصمتهم عن الظلم والإيذاء وقيل هو استئناف أى فهم سليمان ما قالته والقوم