(وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) (١٧)
____________________________________
يقول إذا أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء وصاحت فاختة فأخبر أنها تقول ليت الخلق لم يخلقوا وصاح طاوس فقال يقول كما تدين تدان وصاح هدهد فقال يقول استغفروا الله يا مذنبين وصاح طيطوى فقال يقول كل حى ميت وكل جديد بال وصاح خطاف فقال يقول قدموا خيرا تجدوه وصاح قمرى فأخبر أنه يقول سبحان ربى الأعلى وصاحت رخمة فقال تقول سبحان ربى الأعلى ملء سمائه وأرضه وقال الحدأة تقول كل شىء هالك إلا الله والقطاة تقول من سكت سلم والببغاء تقول ويل لمن الدنيا همه والديك يقول اذكروا الله يا غافلين والنسر يقول يا ابن آدم عش ما شئت آخرك الموت والعقاب تقول فى البعد عن الناس أنس والضفدع يقول سبحان ربى القدوس وأراد عليه الصلاة والسلام بقوله علمنا وأوتينا بالنون التى يقال لها نون الواحد المطاع بيان حاله وصفته من كونه ملكا مطاعا لكن لا تجبرا وتكبرا بل تمهيدا لما أراد منهم من حسن الطاعة والانقياد له فى أوامره ونواهيه حيث كان على عزيمة المسير وبقوله من كل شىء كثرة ما أوتيه كما يقال فلان يقصده كل أحد ويعلم كل شىء ويراد به كثرة قصاده وغزارة علمه ومثله قوله تعالى (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) وقال ابن عباس رضى الله عنهما كل ما يهمه من أمر الدنيا والآخرة وقال مقاتل يعنى النبوة والملك وتسخير الجن والإنس والشياطين والريح (إِنَّ هذا) إشارة إلى ما ذكر من التعليم* والإيتاء (لَهُوَ الْفَضْلُ) والإحسان من الله تعالى (الْمُبِينُ) الواضح الذى لا يخفى على أحد أو إن هذا* الفضل الذى أوتيه لهو الفضل المبين على أنه عليه الصلاة والسلام قاله على سبيل الشكر والمحمدة كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنا سيد ولد آدم ولا فخر أى أقول هذا القول شكرا لا فخرا ولعله عليه الصلاة والسلام رتب على كلامه ذلك دعوة الناس إلى الغزو فإن اخبارهم بإيتاء كل شىء من الأشياء التى من جملتها آلات الحرب وأسباب الغز ومما ينبىء عن ذلك فمعنى قوله تعالى (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ) جمع له عساكره (مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ) بمباشرة مخاطبيه فإنهم كانوا رؤساء مملكته وعظماء دولته من الثقلين وغيرهم بتعميم الناس للكل تغليبا وتقديم الجن على الإنس فى البيان للمسارعة إلى الإيذان بكمال قوة ملكه وعزة سلطانه من أول الأمر لما أن الجن طائفة عاتية وقبيلة طاغية ماردة بعيدة من الحشر والتسخير (فَهُمْ يُوزَعُونَ) * أى يحبس أوائلهم على أواخرهم أى يوقف سلاف العسكر حتى يلحقهم التوالى فيكونوا مجتمعين لا يتخلف منهم أحد وذلك للكثرة العظيمة ويجوز أن يكون ذلك لترتيب الصفوف كما هو المعتاد فى العساكر وفيه إشعار بكمال مسارعتهم إلى السير وتخصيص حبس أوائلهم بالذكر دون سوق أواخرهم مع أن التلاحق يحصل بذلك أيضا لما أن أواخرهم غير قادرين على ما يقدر عليه أوائلهم من السير السريع وهذا إذا لم يكن سيرهم بتسيير الريح فى الجو روى أن معسكره عليه الصلاة والسلام كان مائة فرسخ فى مائة خمسة وعشرون للجن وخمسة وعشرون للإنس وخمسة وعشرون للطير وخمسة وعشرون للوحش وكان له عليه الصلاة والسلام ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلثمائة منكوحة وسبعمائة سرية وقد نسجت له الجن بساطا من ذهب وإبريسم فرسخا فى فرسخ وكان يوضع منبره فى وسطه وهو من ذهب