(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ(١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) (١٦)
____________________________________
(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً) كلام مستأنف مسوق لتقرير ما سبق من أنه صلىاللهعليهوسلم يلقى القرآن من لدن حكيم عليم فإن قصتهما عليهما الصلاة والسلام من جملة القرآن الكريم لقيه صلىاللهعليهوسلم من لدنه تعالى كقصة موسى عليه الصلاة والسلام وتصديره بالقسم لإظهار كمال الاعتناء بتحقيق مضمونه أى آتينا كل واحد منهما طائفة من العلم لائقة به من علم الشرائع والأحكام وغير ذلك مما يختص بكل منهما كصنعة لبوس ومنطق الطير أو علما سنيا عزيزا (وَقالا) أى قال كل واحد منهما شكرا لما أوتيه من العلم (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا) بما آتاناه من العلم (عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) على أن عبارة كل منهما فضلنى إلا أنه عبر عنهما عند الحكاية بصيغة المتكلم مع الغير إيجازا فإن حكاية الأقوال المتعددة سواء كانت صادرة عن المتكلم أو عن غيره بعبارة جامعة للكل مما ليس بعزيز ومن الأول قوله تعالى (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً) وقد مر فى سورة قد أفلح المؤمنون وبهذا ظهر حسن موقع العطف بالواو إذ المتبادر من العطف بالفاء ترتب حمد كل منهما على إيتاء ما أوتى كل منهما لا على إيتاء ما أوتى نفسه فقط وقيل فى العطف بالواو إشعار بأن ما قالاه بعض ما أحدث فيهما إيتاء العلم وشىء من مواجبه فأضمر ذلك ثم عطف عليه التحميد كأنه قيل ولقد آتيناهما علما فعملا به وعلمناه وعرفا حق النعمة فيه وقالا الحمد لله الآية فتأمل والكثير المفضل عليه من لم يؤت مثل علمهما وقيل من لم يؤت علما ويأباه تبيين الكثير بالمؤمنين فإن خلوهم من العلم بالمرة مما لا يمكن وفى تخصيصها الأكثر بالذكر رمز إلى أن البعض مفضلون عليهما وفيه أوضح دليل على فضل العلم وشرف أهله حيث شكرا على العلم وجعلاه أساس الفضل ولم يعتبرا دونه ما أوتيا من الملك الذى لم يؤته غيرهما وتحريض للعلماء على أن يحمدوا الله تعالى على ما آتاهم من فضله ويتواضعوا ويعتقدوا أنهم وإن فضلوا على كثير فقد فضل عليهم كثير وفوق كل ذى علم عليم ونعما قال أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه كل الناس أفقه من عمر (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) أى النبوة والعلم أو الملك بأن قام مقامه فى ذلك دون سائر بنيه وكانوا تسعة عشر (وَقالَ) تشهيرا لنعمة الله تعالى وتنويها بها ودعاء* للناس إلى التصديق بذكر المعجزات الباهرة التى أوتيها (يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) المنطق فى المتعارف كل لفظ يعبر به عما فى الضمير مفردا كان أو مركبا وقد يطلق على كل ما يصوت به من المفرد والمؤلف المفيد وغير المفيد يقال نطقت الحمامة وكل صنف من أصناف الطير يتفاهم أصواته والذى علمه سليمان عليهالسلام من منطق الطير هو ما يفهم بعضه من بعض من معانيه وأغراضه ويحكى أنه مر على بلبل فى شجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه فقال لأصحابه أتدرون ما يقول قالوا الله ونبيه أعلم قال