(إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (١٤)
____________________________________
(إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) استثناء منقطع استدرك به ما عسى يختلج فى الخلد من نفى الخوف عن كلهم مع أن منهم من فرطت منه صغيرة ما مما يجوز صدوره عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإنهم وإن صدر عنهم شىء من ذلك فقد فعلوا عقيبه ما يبطله ويستحقون به من الله تعالى مغفرة ورحمة وقد قصد به التعريض بما وقع من موسى عليه الصلاة والسلام من وكزه القبطى والاستغفار وتسميتها ظلما لقوله صلىاللهعليهوسلم رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) لأنه كان مدرعة صوف لا كم لها وقيل الجيب القميص لأنه يجاب أى يقطع (تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أى آفة كبرص ونحوه (فِي تِسْعِ آياتٍ) فى جملتها أو معها على أن التسع هى الفلق والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمسة والجدب فى بواديهم والنقصان فى مزارعهم ولمن عد العصا واليد من التسع أن يعد الأخيرين واحدا ولا يعد الفلق منها لأنه لم يبعث به إلى فرعون أو اذهب فى تسع آيات على أنه استئناف بالإرسال فيتعلق به (إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) وعلى الأولين يتعلق بنحو مبعوثا أو مرسلا (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) تعليل للإرسال أى خارجين عن الحدود فى الكفر والعدوان (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا) وظهرت على يد موسى (مُبْصِرَةً) بينة اسم فاعل أطلق على المفعول إشعارا بأنها لفرط وضوحها وإنارتها كأنها تبصر نفسها لو كانت مما يبصر أو ذات تبصر من حيث إنها تهدى والعمى لا تهتدى فضلا عن الهداية أو مبصرة كل من ينظر إليها ويتأمل فيها وقرىء مبصرة أى مكانا يكثر فيه التبصر (قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) واضح سحريته (وَجَحَدُوا بِها) أى كذبوا بها (وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) الواو للحال أى وقد استيقنتها أى علمتها أنفسهم علما يقينيا (ظُلْماً) أى للآيات كقوله تعالى (بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) ولقد ظلموا بها أى ظلم حيث حطوها عن رتبتها العالية وسموها سحرا وقيل ظلما لأنفسهم وليس بذاك (وَعُلُوًّا) أى استكبارا عن الإيمان بها كقوله تعالى (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها) وانتصابهما إما على العلة من جحدوا بها أو على الحالية من فاعله أى جحدوا بها ظالمين لها مستكبرين عنها (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) من الإغراق على الوجه الهائل الذى هو عبرة للعالمين وإنما لم يذكر تنبيها على أنه عرضة لكل ناظر مشهور فيما بين كل باد وحاضر.