يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) (١٠)
____________________________________
شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) ومن حول مكانها وقرىء تباركت الأرض ومن حولها والظاهر عمومه لكل من فى ذلك الوادى وحواليه من أرض الشأم الموسومة بالبركات لكونها مبعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكفاتهم أحياء وأمواتا ولا سيما تلك البقعة التى كلم الله تعالى فيها موسى وقيل المراد موسى والملائكة الحاضرون وتصدير الخطاب بذلك بشارة بأنه قد قضى له أمر عظيم دينى تنتشر بركاته فى أقطار الشأم وهو تكليمه تعالى إياه عليه الصلاة والسلام واستنباؤه له وإظهار المعجزات على* يده عليه الصلاة والسلام (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) تعجيب لموسى عليه الصلاة والسلام من ذلك وإيذان بأن ذلك مريده ومكونه رب العالمين تنبيها على أن الكائن من جلائل الأمور وعظائم الشئون ومن أحكام تربيته تعالى للعالمين (يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ) استئناف مسوق لبيان آثار البركة المذكورة والضمير إما للشأن وأنا الله جملة مفسرة له وإما راجع إلى المتكلم وأنا خبره والله بيان له وقوله تعالى (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) صفتان لله تعالى ممهدتان لما أريد إظهاره على يده من المعجزات أى أنا القوى القادر على مالا تناله الأوهام من الأمور العظام التى من جملتها أمر العصا واليد الفاعل كل ما أفعله بحكمة بالغة وتدبير رصين (وَأَلْقِ) عطف على بورك منتظم معه فى سلك تفسير النداء أى نودى أن بورك وأن ألق (عَصاكَ) حسبما نطق به قوله تعالى وأن ألق عصاك بتكرير حرف التفسير كما تقول كتبت إليه أن حج وأن اعتمر وإن شئت أن حج واعتمر والفاء فى قوله تعالى (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) فصيحة تفصيح عن جملة قد حذفت ثقة بظهورها ودلالة على سرعة وقوع مضمونها كما فى قوله تعالى (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) بعد قوله تعالى (اخْرُجْ عَلَيْهِنَ) كأنه قيل فألقاها فانقلبت حية تسعى فأبصرها فلما أبصرها متحركة بسرعة واضطراب قوله تعالى (كَأَنَّها جَانٌّ) أى حية خفيفة سريعة الحركة جملة حالية إما من مفعول رأى مثل تهتز كما أشير إليه أو من ضمير تهتز على طريقة التداخل وقرىء جأن على لغة من جد فى الهرب من التقاء الساكنين (وَلَّى مُدْبِراً) من الخوف (وَلَمْ يُعَقِّبْ) أى لم يرجع على عقبه من عقب المقاتل إذا كر بعد الفر وإنما اعتراه الرعب لظنه أن ذلك لأمر أريد به كما ينبىء عنه قوله تعالى (يا مُوسى لا تَخَفْ) أى من غيرى ثقة بى أو مطلقا لقوله تعالى (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) فإنه يدل على نفى الخوف عنهم مطلقا لكن لا فى جميع الأوقات بل حين يوحى إليهم كوقت الخطاب فإنهم حينئذ مستغرقون فى مطالعة شئون الله عزوجل لا يخطر ببالهم خوف من أحد أصلا وأما فى سائر الأحيان فهم أخوف الناس منه سبحانه أولا يكون لهم عندى سوء عاقبة ليخافوا منه.