(أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٢٢٧)
____________________________________
طريق الحق الثابتين عليه وقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) استشهاد على أن الشعراء إنما يتبعهم الغاوون وتقرير له والخطاب لكل من تتأتى منه الرؤية للقصد إلى أن حالهم من الجلاء والظهور بحيث لا تختص برؤية راء دون راء أى ألم تر أن الشعراء فى كل واد من أودية القيل والقال وفى كل شعب من شعاب الوهم والخيال وفى كل مسلك من مسالك الغى والضلال يهيمون على وجوههم لا يهتدون إلى سبيل معين من السبل بل يتحيرون فى فيافى الغواية والسفاهة ويتيهون فى تيه المجون والوقاحة دينهم تمزيق الأعراض المحمية والقدح فى الأنساب الطاهرة السنية والتسيب بالحرام والغزل والابتهار والتردد بين طرفى الإفراط والتفريط فى المدح والهجاء (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) من الأفاعيل غير مبالين بما يستتبعه من اللوائم فكيف يتوهم أن يتبعهم فى مسلكهم ذلك ويلتحق بهم وينتظم فى سلكهم من تنزهت ساحته عن أن يحوم حولها شائبة الاتصاف بشىء من الأمور المذكورة واتصف بمحاسن الصفات الجليلة وتخلق بمكارم الأخلاق الجميلة وحاز جميع الكمالات القدسية وفاز بجملة الملكات الأنسية مستقرا على المنهاج القويم مستمرا على الصراط المستقيم ناطقا بكل أمر رشيد داعيا إلى صراط العزيز الحميد مؤيدا بمعجزات قاهرة وآيات ظاهرة مشحونة بفنون الحكم الباهرة وصنوف المعارف الزاهرة مستقلة بنظم رائق أعجز كل منطيق ماهر وبكت كل مفلق ساحر هذا وقد قيل فى تنزيهه صلىاللهعليهوسلم عن أن يكون من الشعراء أن أتباع الشعراء الغاوون وأتباع محمد صلىاللهعليهوسلم ليسوا كذلك ولا ريب فى أن تعليل عدم كونه صلىاللهعليهوسلم منهم بكون أتباعه صلىاللهعليهوسلم غير غاوين مما لا يليق بشأنه العالى وقيل الغاوون الراوون وقيل الشياطين وقيل هم شعراء قريش عبد الله بن الزبعرى وهبيرة بن أبى وهب المخزومى ومسافع بن عبد مناف وأبو عزة الجمحى ومن ثقيف أمية بن أبى الصلت قالوا نحن نقول مثل قول محمد صلىاللهعليهوسلم وقرىء والشعراء بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر وقرىء يتبعهم على التخفيف ويتبعهم بسكون العين تشبيها لبعه بعضد (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) استثناء للشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر الله عزوجل ويكون أكثر أشعارهم فى التوحيد والثناء على الله تعالى والحث على طاعته والحكمة والموعظة والزهد فى الدنيا والترغيب عن الركون إليها والزجر عن الاغترار بزخارفها والافتتان بملاذها الفانية ولو وقع منهم فى بعض الأوقات هجو وقع ذلك منهم بطريق الانتصار ممن هجاهم وقيل المراد بالمستثنين عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وكعب بن مالك وكعب بن زهير بن ابى