(وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) (٢٢٤)
____________________________________
إلى الشياطين فيتلقون منهم أوهاما وأمارات لنقصان علمهم فيضمون إليها بحسب تخيلاتهم الباطلة خرافات لا يطابق أكثرها الواقع وذلك قوله تعالى (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) أى فيما قالوه من الأقاويل وقد ورد فى الحديث الكلمة يخطفها الجنى فيقرها فى أذن وليه فيزيد فيها أكثر من مائة كذبة أو يلقون السمع أى المسموع من الشياطين إلى الناس وأكثرهم كاذبون يفترون على الشياطين ما لم يوحوا إليهم والأظهر أن الأكثرية باعتبار أقوالهم على معنى أن هؤلاء قلما يصدقون فيما يحكون عن الجنى وأما فى أكثره فهم كاذبون ومآله وأكثر أقوالهم كاذبة لا باعتبار ذواتهم حتى يلزم من نسبة الكذب إلى أكثرهم كون أقلهم صادقين على الإطلاق وليس معنى الأفاك من لا ينطق إلا بالإفك حتى يمتنع منه الصدق بل من يكثر الإفك فلا ينافيه أن يصدق نادرا فى بعض الأحايين وقيل الضمير للشياطين أى يلقون السمع أى المسموع من الملأ الأعلى قبل أن رجموا من بعض المغيبات إلى أوليائهم وأكثرهم كاذبون فيما يوحون به إليهم إذ لا يسمعونهم على نحو ما تكلمت به الملائكة لشرارتهم أو لقصور فهمهم أو ضبطهم أو إفهامهم ولا سبيل إلى حمل إلقاء السمع على تسمعهم وإنصاتهم إلى الملأ الأعلى قبل الرجم كما جوزه الجمهور لما أن يلقون كما صرحوا به إما حال من ضمير تنزل مفيدة لمقارنة التنزل للإلقاء أو استئناف مبين للغرض من التنزل مبنى على السؤال عنه ولا ريب فى أن إلقاء السمع إلى الملأ الأعلى بمعزل من احتمال أن يقارن التنزل أو يكون غرضا منه لتقدمه عليه قطعا وإنما المحتمل لهما الإلقاء بالمعنى الأول فالمعنى على تقدير كونه حالا تنزل الشياطين على الأفاكين ملقين إليهم ما سمعوه من الملأ الأعلى وعلى تقدير كونه جوابا عن سؤال من قال لم تنزل عليهم وماذا يفعلون بهم يلقون إليهم ما سمعوه وحمله على استئناف الأخبار كما فعله بعضهم غير سديد لأن ذكر حالهم السابقة على تنزلهم المذكور قبله غير خليق بجزالة التنزيل وأما على تقدير كون ضمير يلقون للأفاكين فهو صفة لكل أفاك لأنه فى معنى الجمع سواء أريد بإلقاء السمع الإصغاء إلى الشياطين أو إلقاء المسموع إلى الناس ويجوز أن يكون استئناف إخبار بحالهم على كلا التقديرين لما أن كلا من تلقيهم من الشياطين وإلقائهم إلى الناس يكون بعد التنزيل وأن يكون استئنافا مبنيا على السؤال على التقدير الأول فقط كأنه قيل ما يفعلون عند تنزل الشياطين عليهم فقيل يلقون إليهم أسماعهم ليحفظوا ما يوحون به إليهم وقوله تعالى (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) على التقدير الأول استئناف فقط وعلى الثانى يحتمل الحالية من ضمير يلقون أى يلقون ما سمعوه من الشياطين إلى الناس والحال أنهم فى أكثر أقوالهم كاذبون فتدبر (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) استئناف مسوق لإبطال ما قالوا فى حق القرآن العظيم من أنه من قبيل الشعر وأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الشعراء ببيان حال الشعراء المنافية لحاله صلىاللهعليهوسلم بعد إبطال ما قالوا إنه من قبيل ما يلقى الشياطين على الكهنة من الأباطيل بما مر من بيان أحوالهم المضادة لأحواله صلىاللهعليهوسلم والمعنى أن الشعراء يتبعهم أى يجاريهم ويسلك مسلكهم ويكون من جملتهم الغاوون الضالون عن السنن الحائرون فيما يأتون وما يذرون لا يستمرون على وتيرة واحدة فى الأفعال والأقوال والأحوال لا غيرهم من أهل الرشد المهتدين إلى