(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) (٣٢)
____________________________________
العتو ونهاية الطغيان بطريق البث إلى ربه عزوجل (يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي) يعنى الذين حكى عنهم ما حكى من* الشنائع (اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ) الذى من جملته هذه الآيات الناطقة بما يحيق بهم فى الآخرة من فنون العقاب كما ينبىء عنه كلمة الإشارة (مَهْجُوراً) أى متروكا بالكلية ولم يؤمنوا به ولم يعرفوا إليه رأسا ولم يتأثروا* بوعيده وفيه تلويح بأن من حق المؤمن أن يكون كثير التعاهد للقرآن كيلا يندرج تحت ظاهر النظم الكريم فإنه روى عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال من تعلم القرآن وعلق مصحفا لم يتعاهده ولم ينظر فيه جاء يوم القيامة متعلقا به يقول يا رب العالمين عبدك هذا اتخذ مهجورا اقض بينى وبينه وقيل هو من هجر إذا هذى أى جعلوه مهجورا فيه إما على زعمهم الباطل وإما بأن هجروا فيه إذا سمعوه كما يحكى عنهم من قولهم لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه وقد جوز أن يكون المهجور بمعنى الهجر كالمجلود والمعقول فالمعنى اتخذوه هجرا وهذيانا وفيه من التحذير والتخويف ما لا يخفى فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا شكوا إلى الله تعالى قومهم عجل لهم العذاب ولم ينظروا وقوله تعالى (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) تسلية لرسول لله صلىاللهعليهوسلم وحمل له على الاقتداء بمن قبله من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أى كما جعلنا لك أعداء من المشركين يقولون ما يقولون ويفعلون ما يفعلون من الأباطيل جعلنا لكل نبى من الأنبياء الذين هم أصحاب الشريعة والدعوة إليها عدوا من مجرمى قومهم فاصبر كما صبروا وقوله تعالى (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً) * وعد كريم له صلىاللهعليهوسلم بالهداية إلى كافة مطالبه والنصر على أعدائه أى كفاك مالك أمرك ومبلغك إلى الكمال هاديا لك إلى ما وصلك إلى غاية الغايات التى من جملتها تبليغ الكتاب أجله وإجراء أحكامه فى أكناف الدنيا إلى يوم القيامة ونصيرا لك على جميع من يعاديك (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) حكاية لاقتراحهم الخاص بالقرآن الكريم بعد حكاية اقتراحهم فى حقه صلىاللهعليهوسلم والقائلون هم القائلون أولا وإيرادهم بعنوان الكفر لذمهم به والإشعار بعلة الحكم (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ) التنزيل ههنا مجرد عن معنى التدريج كما فى قوله* تعالى يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ويجوز أن يراد به الدلالة على كثرة المنزل فى نفسه أى هلا أنزل كله (جُمْلَةً واحِدَةً) كالكتب الثلاثة وبطلان هذه الكلمة الحمقاء مما لا يكاد يخفى على أحد* فإن الكتب المتقدمة لم يكن شاهد صحتها ودليل كونها من عند الله تعالى إعجازها وأما القرآن الكريم فبينة صحته وآية كونه من عند الله تعالى نظمه المعجز الباقى على مر الدهور المتحقق فى كل جزء من أجزائه المقدرة بمقدار أقصر السور حسبما وقع به التحدى ولا ريب فى أن ما يدور عليه فلك الإعجاز هو المطابقة لما تقتضيه الأحوال ومن ضرورة تغيرها وتجددها تغير ما يطابقها حتما على أن فيه فوائد جمة قد أشير إلى بعض منها بقوله تعالى (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) فإنه استئناف وارد من جهته تعالى لرد مقالتهم الباطلة*