(وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣) أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) (٢٤)
____________________________________
* (وَيَقُولُونَ) عطف على ما ذكر من الفعل المنفى المنبىء عن كمال فظاعة ما يحيق بهم من الشر وغاية هول* مطلعه ببيان أنهم يقولون عند مشاهدتهم له (حِجْراً مَحْجُوراً) وهى كلمة يتكلمون بها عند لقاء عدو موتور وهجوم نازلة هائلة يضعونها موضع الاستعاذة حيث يطلبون من الله تعالى أن يمنع المكروه فلا يلحقهم فكان المعنى نسأل الله تعالى أن يمنع ذلك منعا ويحجره حجرا وكسر الحاء تصرف فيه لاختصاصه بموضع واحد كما فى قعدك وعمرك وقد قرىء حجرا بالضم والمعنى أنهم يطلبون نزول الملائكة عليهمالسلام ويقترحونه وهم إذا رأوهم كرهوا لقاءهم أشد كراهة وفزعوا منهم فزعا شديدا وقالوا ما كانوا يقولونه عند نزول خطب شنيع وحلول بأس شديد فظيع ومحجورا صفة لحجرا وارادة للتأكيد كما قالوا ذيل ذائل وليل أليل وقيل يقولها الملائكة إفناطا للكفرة بمعنى حراما محرما عليكم الغفران أو الجنة أو البشرى أى جعل الله تعالى ذلك حراما عليكم وليس بواضح (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) بيان لحال ما كانوا يعملونه فى الدنيا من صلة رحم وإغاثة ملهوف وقرى ضيف ومن على أسير وغير ذلك من مكارمهم ومحاسنهم التى لو كانوا عملوها مع الإيمان لنالوا ثوابها بتمثيل حالهم وحال أعمالهم المذكورة بحال قوم خالفوا سلطانهم واستعصوا عليه فقدم إلى أشيائهم وقصد ما تحت أيديهم فأنحى عليها بالإفساد والتحريق ومزقها كل تمزيق بحيث لم يدع لها عينا ولا أثرا أى عمدنا إليها وأبطلناها أى أظهرنا بطلانها بالكلية من غير أن يكون هناك قدوم ولا شىء يقصد تشبيهه به والهباء شبه غبار يرى فى شعاع الشمس يطلع من الكوة من الهبوة وهى الغبار ومنثورا صفته شبه به أعمالهم المحبطة فى الحقارة وعدم الجدوى ثم بالمنثور منه فى الانتشار بحيث لا يمكن نظمه أو مفعول ثالث من حيث إنه كالخبر بعد الخبر كما فى قوله تعالى (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (أَصْحابُ الْجَنَّةِ) هم المؤمنون المشار إليهم فى قوله تعالى (قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) الخ (يَوْمَئِذٍ) أى يوم إذ يكون ما ذكر من عدم التبشير وقولهم حجرا محجورا وجعل أعمالهم هباء منثورا (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) المستقر المكان الذى يستقر فيه فى أكثر الأوقات* للتجالس والتحادث (وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) المقيل المكان الذى يؤوى إليه للاسترواح إلى الأزواج والتمتع بمغازلتهن سمى بذلك لما أن التمتع به يكون وقت القيلولة غالبا وقيل لأنه يفرغ من الحساب فى منتصف ذلك اليوم فيقيل أهل الجنة فى الجنة وأهل النار فى النار وفى وصفه بزيادة الحسن مع حصول الخيرية بعطفه على المستقر رمز إلى أنه مزبن بفنون الزين والزخارف والتفضيل المعتبر فيهما إما لإرادة الزيادة على الإطلاق أى هم فى أقصى ما يكون من خيرية المستقر وحسن المقيل وإما بالإضافة إلى ما للكفرة المتنعمين فى الدنيا أو إلى ما لهم فى الآخرة بطريق التهكم بهم كما مر فى قوله تعالى (قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ) الآية هذا وقد جوز أن يراد بأحدهما المصدر أو الزمان إشارة إلى أن مكانهم وزمانهم أطيب ما يتخيل من الأمكنة والأزمنة