(يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) (٢٢)
____________________________________
عزوجل ولقاء الشىء عبارة عن مصادفته من غير أن يمنع مانع من إدراكه بوجه من الوجوه والمراد بلقائه تعالى إما الرجوع إليه تعالى بالبعث والحشر أو لقاء حسابه تعالى كما فى قوله تعالى (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) وبعدم رجائهم إياه عدم توقعهم له أصلا لإنكارهم البعث والحساب بالكلية لا عدم أملهم حسن اللقاء ولا عدم خوفهم سوء اللقاء لأن عدمهما غير مستلزم لما هم عليه من العتو والاستكبار وإنكار البعث والحساب رأسا أى وقال الذين لا يتوقعون الرجوع إلينا أو حسابنا المؤدى إلى سوء العذاب الذى تستوجبه مقالتهم (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) أى هلا أنزلوا علينا ليخبرونا بصدق محمد صلىاللهعليهوسلم وقيل هلا* أنزلوا علينا بطريق الرسالة وهو الأنسب لقولهم (أَوْ نَرى رَبَّنا) من حيث أن كلا القولين ناشىء عن غاية غلوهم فى المكابرة والعتو حسبما يعرب عنه قوله تعالى (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) أى فى شأنها حتى اجترءوا على التفوه بمثل هذه العظيمة الشنعاء (وَعَتَوْا) أى تجاوزوا الحد فى الظلم والطغيان (عُتُوًّا كَبِيراً) * بالغا أقصى غاياته حيث أملو نيل مرتبة المفاوضة الإلهية من غير توسط الرسول والملك كما قالوا لو لا يكلمنا الله ولم يكتفوا بما عاينوا من المعجزات القاهرة التى تخر لها صم الجبال فذهبوا فى الاقتراح كل مذهب حتى منتهم أنفسهم الخبيثة أمانى لا تكاد ترنوا إليها أحداق الأمم ولا تمتد إليها أعناق الهمم ولا ينالها إلا أولو العزائم الماضية من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام واللام جواب قسم محذوف أى والله لقد استكبروا الآية وفيه من الدلالة على غاية قبح ما هم عليه والإشعار بالتعجب من استكبارهم وعتوهم مالا يخفى (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) استئناف مسوق لبيان ما يلقونه عند مشاهدتهم لما اقترحوه من نزول الملائكة عليهمالسلام بعد استعظامه وبيان كونه فى غاية ما يكون من الشناعة وإنما قيل يوم يرون دون أن يقال يوم ينزل الملائكة إيذانا من أول الأمر بأن رؤيتهم لهم ليست على طريق الإجابة إلى ما اقترحوه بل على وجه آخر غير معهود ويوم منصوب على الظرفية بما يدل عليه قوله تعالى (لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) فإنه فى معنى لا يبشر يومئذ المجرمون والعدول إلى نفى الجنس للمبالغة فى نفى البشرى وما قيل من أنه بمعنى يمنعون البشرى أو يعدمونها تهوين للخطب فى مقام التهويل فإن منع البشرى وفقدانها مشعران بأن هناك بشرى يمنعونها أو يفقدونها وأين هذا من نفيها بالكلية وحيث كان نفيها كناية عن إثبات ضدها كما أن نفى المحبة فى مثل قوله تعالى والله لا يحب الكافرين كناية عن البغض والمقت دل على ثبوت النذر لهم على أبلغ وجه وآكده وقيل منصوب بفعل مقدر يؤكده بشرى على أن لا غير نافية للجنس وقيل منصوب على المفعولية بمضمر مقدم عليه أى اذكر يوم رؤيتهم الملائكة ويومئذ على كل حال تكرير للتأكيد والتهويل مع ما فيه من الإيذان بأن تقديم الظرف للاهتمام لا لقصر نفى البشرى على ذلك الوقت فقط فإن ذلك مخل بتفظيع حالهم وللمجرمين تبيين على أنه مظهر وضع موضع الضمير تسجيلا عليهم بالأجرام مع ما هم عليه من الكفر وحمله على العموم بحيث يتناول فساق المؤمنين ثم الالتجاء فى إخراجهم عن الحرمان الكلى إلى أن نفى البشرى حينئذ لا يستلزم نفيه فى جميع الأوقات فيجوز أن يبشروا بالعفو والشفاعة فى وقت آخر بمعزل عن الحق بعيد