(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً) (١٨)
____________________________________
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) نصب على أنه مفعول لمضمر مقدم معطوف على قوله تعالى (قُلْ أَذلِكَ) الخ أى واذكر لهم بعد التقريع والتحسير يوم يحشرهم الله عزوجل وتعليق التذكير باليوم مع أن المقصود تذكير ما وقع فيه من الحوادث الهائلة قد مر وجهه غير مرة أو على أنه ظرف لمضمر مؤخر قد حذف للتنبيه على كمال هوله وفظاعة ما فيه والإيذان بقصور العبارة عن بيانه أى يوم يحشرهم يكون من الأحوال والأهوال* مالا يفى ببيانه المقال وقرىء بنون العظمة بطريق الالتفات من الغيبة إلى التكلم وبكسر الشين أيضا (وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أريد به ما يعم العقلاء وغيرهم إما لأن كلمة ما موضوعة للكل كما ينبىء عنه أنك إذا رأيت شبحا من بعيد تقول ما هو أو لأنه أريد به الوصف لا الذات كأنه قيل ومعبوديهم أو لتغليب الأصنام على غيرها تنبيها على أنهم مثلها فى السقوط عن رتبة المعبودية أو اعتبارا لغلبة عبدتها أو أريد به الملائكة والمسيح وعزير بقرينة السؤال والجواب أو الأصنام ينطقها الله تعالى أو تكلم بلسان الحال* كما قيل فى شهادة الأيدى والأرجل (فَيَقُولُ) أى الله عزوجل للمعبودين إثر حشر الكل تقريعا للعبدة وتبكيتا لهم وقرىء بالنون كما عطف عليه وقرىء هذا بالياء والأول بالنون على طريق الالتفات إلى الغيبة (أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ) بأن دعوتموهم إلى عبادتكم كما فى قوله تعالى (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ (أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ) أى عن السبيل بأنفسهم لإخلالهم بالنظر الصحيح وإعراضهم عن المرشد فحذف الجار وأوصل الفعل إلى المفعول كقوله تعالى (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) والأصل إلى السبيل أو للسبيل وتقديم الضميرين على الفعلين لأن المقصود بالسؤال هو المتصدى للفعل لا نفسه (قالُوا) استئناف مبنى على سؤال نشأ من حكاية السؤال كأنه قيل فماذا قالوا فى الجواب فقيل قالوا (سُبْحانَكَ) تعجبا مما قيل لهم لأنهم إما ملائكة معصومون أو جمادات لا قدرة لها على شىء أو إشعارا بأنهم الموسومون بتسبيحه تعالى وتوحيده فكيف يتأتى منهم إضلال عباده أو تنزيها له تعالى عن الأنداد (ما كانَ يَنْبَغِي لَنا) أى ما صح وما استقام لنا* (أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ) أى متجاوزين إياك (مِنْ أَوْلِياءَ) نعبدهم لما بنا من الحالة المنافية له فأنى يتصور أن نحمل غيرنا على أن يتخذ وليا غيرك فضلا أن يتخذنا وليا أو أن نتخذ من دونك أولياء أى أتباعا فإن الولى كما يطلق على المتبوع يطلق على التابع كالمولى يطلق على الأعلى والأسفل ومنه أولياء الشيطان أى أتباعه وقرىء على البناء للمفعول من المتعدى إلى المفعولين كما فى قوله تعالى (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) ومفعوله الثانى (مِنْ أَوْلِياءَ) على أن من للتبعيض أى أن نتخذ بعض أولياء وهى على الأول مزيدة وتنكير أولياء من حيث إنهم أولياء مخصوصون