(فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً) (١٩)
____________________________________
وهم الجن والأصنام (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ) استدارك مسوق لبيان أنهم هم الضالون بعد بيان تنزيههم* عن إضلالهم وقد نعى عليهم سوء صنيعهم حيث جعلوا أسباب الهداية أسبابا للضلالة أى ما أضللناهم ولكنك متعتهم وآباءهم بأنواع النعم ليعرفوا حقها ويشكروها فاستغرقوا فى الشهوات وانهمكوا فيها (حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) أى غفلوا عن ذكرك أو عن التذكر فى آلائك والتدبر فى آياتك فجعلوا أسباب* الهداية بسوء اختيارهم ذريعة إلى الغواية (وَكانُوا) أى فى قضائك المبنى على علمك الأزلى المتعلق بما سيصدر عنهم فيما لا يزال باختيارهم من الأعمال السيئة (قَوْماً بُوراً) أى هالكين على أن بورا مصدر* وصف به الفاعل مبالغة ولذلك يستوى فيه الواحد والجمع أو جمع بائر كعوذ فى جمع عائذ والجملة اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبله وقوله تعالى (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) حكاية لاحتجاجه تعالى على العبدة بطريق تلوين الخطاب وصرفه عن المعبودين عند تمام جوابهم وتوجيهه إلى العبدة مبالغة فى تقريعهم وتبكيتهم على تقدير قول مرتب على الجواب أى فقال الله تعالى عند ذلك فقد كذبوكم المعبودون أيها الكفرة (بِما تَقُولُونَ) * أى فى قولكم إنهم آلهة وقيل فى قولكم هؤلاء أضلونا ويأباه أن تكذيبهم فى هذا القول لا تعلق له بما بعده من عدم استطاعتهم للصرف والنصر أصلا وإنما الذى يستتبعه تكذيبهم فى زعمهم أنهم آلهتهم وناصروهم وأياما كان فالباء بمعنى فى أوهى صلة للتكذيب على أن الجار والمجرور بدل اشتمال من الضمير المنصوب وقرىء بالياء أى كذبوكم بقولهم سبحانك الآية (فَما تَسْتَطِيعُونَ) أى ما تملكون (صَرْفاً) أى* دفعا للعذاب عنكم بوجه من الوجوه كما يعرب عنه التنكير أى لا بالذات ولا بالواسطة وقيل حيلة من قولهم إنه ليتصرف فى أموره أى يحتال فيها وقيل توبة (وَلا نَصْراً) أى فردا من أفراد النصر لا من جهة* أنفسكم ولا من جهة غيركم والفاء لترتيب عدم الاستطاعة على ما قبلها من التكذيب لكن لا على معنى أنه لولاه لوجدت الاستطاعة حقيقة بل فى زعمهم حيث كانوا يزعمون أنهم يدفعون عنهم العذاب وينصرونهم وفيه ضرب تهكم بهم وقرىء يستطيعون على صيغة الغيبة أى ما يستطيع آلهتكم أن يصرفوا عنكم العذاب أو يحتالوا لكم ولا ينصروكم وترتب ما بعد الفاء على ما قبلها كما مر بيانه (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ) أيها المكلفون كدأب هؤلاء* حيث ركبوا متن المكابرة والعناد واستمروا على ما هم عليه من الفساد وتجاوزوا فى اللجاج كل حد معتاد (نُذِقْهُ) فى الآخرة (عَذاباً كَبِيراً) لا يقادر قدره وهو عذاب النار وقرىء يذقه على أن الضمير* لله سبحانه وتعالى وقيل لمصدر الفعل الواقع شرطا وتعميم الظلم لا يستلزم اشتراك الفاسق للكافر فى إذاقة العذاب الكبير فإن الشرط فى اقتضاء الجزاء مقيد بعدم المزاحم وفاقا وهو التوبة والإحباط بالطاعة إجماعا وبالعفو عندنا.