(قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً) (١٦)
____________________________________
لا تقتصروا على دعاء ثبور واحد (وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) أى بحسب كثرة الدعاء المتعلق به لا بحسب كثرته* فى نفسه فإن ما يدعونه ثبور واحد فى حد ذاته لكنه كلما تعلق به دعاء من تلك الأدعية الكثيرة صار كأنه ثبور مغاير لما تعلق به دعاء آخر منها وتحقيقه لا تدعوه دعاء واحدا وادعوه أدعية كثيرة فإن ما أنتم فيه من العذاب لغاية شدته وطول مدته مستوجب لتكرير الدعاء فى كل آن وهذا أدل على فظاعة العذاب وهوله من جعل تعدد الدعاء وتجدده لتعدد العذاب بتعدد أنواعه وألوانه أو لتعدده بتجدد الجلود كما لا يخفى وأما ما قيل من أن المعنى إنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحدا إنما هو ثبور كثير إما لأن العذاب أنواع وألوان كل نوع منها ثبور لشدته وفظاعته أو لأنهم كلما نضجت جلودهم بدلوا غيرها فلا غاية لهلاكهم فلا يلائم المقام كيف لا وهم إنما يدعون هلاكا ينهى عذابهم وينجيهم منه فلا بد أن يكون الجواب إقناطا لهم من ذلك ببيان استحالته ودوام ما يوجب استدعاءه من العذاب الشديد وتقييد النهى والأمر باليوم لمزيد التهويل والتفظيع والتنبيه على أنه ليس كسائر الأيام المعهودة (قُلْ) تقريعا لهم وتهكما بهم وتحسيرا على ما فاتهم (أَذلِكَ) إشارة إلى ما ذكر من السعير باعتبار اتصافها بما فصل من الأحوال الهائلة وما فيه من معنى البعد للإشعار بكونها فى الغاية القاصية من الهول والفظاعة أى قل لهم أذلك الذى ذكر من السعير التى أعتدت لمن كذب بالساعة وشأنها كيت وكيت وشأن أهلها ذيت وذيت (خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) أى وعدها المتقون وإضافة الجنة إلى الخلد للمدح وقيل للتمييز عن جنات الدنيا والمراد بالمتقين المتصفون بمطلق التقوى لا بالمرتبة الثانية ولا الثالثة منها فقط (كانَتْ) تلك الجنة (لَهُمْ) فى علم الله تعالى أو فى اللوح المحفوظ أو لأن ما وعده الله تعالى فهو كائن لا محالة فحكى تحققه ووقوعه (جَزاءً) على أعمالهم حسبما مر من الوعد الكريم (وَمَصِيراً) ينقلبون إليه (لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) أى ما يشاءونه من فنون الملاذ والمشتهيات وأنواع النعيم كما فى قوله تعالى (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) ولعل كل فريق منهم يقتنع بما أتيح له من درجات النعيم ولا تمتد أعناق هممهم إلى ما فوق ذلك من المراتب العالية فلا يلزم الحرمان ولا تساوى مراتب أهل الجنان (خالِدِينَ) حال من الضمير المستكن فى الجار والمجرور لاعتماده على المبتدأ وقيل من فاعل يشاءون (كانَ) أى ما يشاءونه وقيل الوعد المدلول عليه بقوله تعالى (وُعِدَ الْمُتَّقُونَ (عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً) أى موعودا حقيقا بأن يسأل ويطلب لكونه مما يتنافس فيه المتنافسون أو مسئولا يسأله الناس فى دعائهم بقولهم ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك أو الملائكة بقولهم ربنا وأدخلهم جنات عدن التى وعدتهم وما فى على من معنى الوجوب لامتناع الخلف فى وعده تعالى ولا يلزم منه الإلجاء إلى الإنجاز فإن تعلق الإرادة بالموعود متقدم على الوعد الموجب للإنجاز وفى التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلىاللهعليهوسلم من تشريفه والإشعار بأنه صلىاللهعليهوسلم هو الفائز آثر ذى أثير بمغانم الوعد الكريم مالا يخفى.