(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٥٧)
____________________________________
الزَّكاةَ) عطف على مقدر ينسحب عليه الكلام ويستدعيه النظام فإن خطابه تعالى للمأمورين بالطاعة على طريق الترهيب من التولى بقوله تعالى (فَإِنْ تَوَلَّوْا) الخ وترغيبه تعالى إياهم فى الطاعة بقوله تعالى (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) الخ ووعده تعالى إياهم على الإيمان والعمل الصالح بما فصل من الاستخلاف وما يتلوه من الرغائب الموعودة ووعيده على الكفر مما يوجب الأمر بالإيمان والعمل الصالح والنهى عن الكفر فكأنه قيل فآمنوا واعملوا صالحا وأقيموا أو فلا تكفروا وأقيموا وعطفه على أطيعوا الله مما لا يليق بجزالة* النظم الكريم (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) أمرهم الله سبحانه وتعالى بالذات بما أمرهم به بواسطة الرسول صلىاللهعليهوسلم من طاعته التى هى طاعته تعالى فى الحقيقة تأكيدا للأمر السابق وتقريرا لمضمونه على أن المراد بالمطاع فيه جميع الأحكام الشرعية المنتظمة للآداب المرضية أيضا أى وأطيعوه فى كل ما يأمركم به وينهاكم عنه أو تكميلا لما قبله من الأمرين الخاصين المتعلقين بالصلاة والزكاة على أن المراد بما ذكر ما عداهما من* الشرائع أى وأطيعوه فى سائر ما يأمركم به الخ وقوله تعالى (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) متعلق على الأول بالأمر الأخير المشتمل على جميع الأوامر وعلى الثانى بالأوامر الثلاثة أى افعلوا ما ذكر من الإقامة والإيتاء والإطاعة راجين أن ترحموا (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) لما بين حال من أطاعه صلىاللهعليهوسلم وأشير إلى فوزه بالرحمة المطلقة المستتبعة لسعادة الدارين عقب ذلك ببيان حال من عصاه صلىاللهعليهوسلم ومآل أمره فى الدنيا والآخرة بعد بيان تناهيه فى الفسق تكميلا لأمر الترغيب والترهيب والخطاب إما لكل أحد ممن يصلح له كائنا من كان وإما للرسول صلىاللهعليهوسلم على منهاج قوله تعالى (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ونظائره للإيذان بأن الحسبان المذكور من القبح والمحذورية بحيث ينهى عنه من يمتنع صدوره عنه فكيف بمن يمكن ذلك منه ومحل* الموصول النصب على أنه مفعول أول للحسبان وقوله تعالى (مُعْجِزِينَ) ثانيهما وقوله تعالى (فِي الْأَرْضِ) ظرف لمعجزين لكن لا لإفادة كون الإعجاز المنفى فيها لا فى غيرها فإن ذلك مما لا يحتاج إلى البيان بل لإفادة شمول عدم الإعجاز بجميع أجزائها أى لا تحسبنهم معجزين الله عزوجل عن إدراكهم وإهلاكهم فى قطر من أقطار الأرض بما رحبت وإن هربوا منها كل مهرب وقرىء لا يحسبن بياء الغيبة على أن الفاعل كل أحد والمعنى كما ذكر أى لا يحسبن أحد الكافرين معجزين له سبحانه فى الأرض أو هو الموصول والمفعول الأول محذوف لكونه عبارة عن أنفسهم كأنه قيل لا يحسبن الكافرون أنفسهم معجزين فى الأرض وأما جعل معجزين مفعولا أول وفى الأرض مفعولا ثانيا فبمعزل من المطابقة لمقتضى المقام ضرورة أن مصب الفائدة هو المفعول الثانى ولا فائدة فى بيان كون المعجزين فى الأرض* وقد مر فى قوله تعالى (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) وقوله تعالى (وَمَأْواهُمُ النَّارُ) معطوف على جملة النهى بتأويلها بجملة خبرية لأن المقصود بالنهى عن الحسبان تحقيق نفى الحسبان كأنه قيل ليس الذين كفروا معجزين ومأواهم الخ أو على جملة مقدرة وقعت تعليلا للنهى كأنه قيل لا تحسبن الذين كفروا معجزين* فى الأرض فإنهم مدركون ومأواهم الخ وقيل الجملة المقدرة بل هم مقهورون فتدبر (وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ)