(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٥٦)
____________________________________
لا محالة كأنه قيل ليستخلفنهم فى الأرض فيستخلفن فيها استخلافا أى مستخلفية كائنة كمستخفلية من قبلهم وقد مر تحقيقه فى قوله تعالى (كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) ومن هذا القبيل قوله تعالى (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) على أحد الوجهين أى فنبتت نباتا حسنا وعليه قول من قال[وعضة دهريا ابن مروان لم تدع * من المال إلا مسحت أو مجلف أى فلم يبق إلا مسحت الخ (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ) عطف على ليستخلفنهم منتظم* معه فى سلك الجواب وتأخيره عنه مع كونه أجل الرغائب الموعودة وأعظمها لما أن النفوس إلى الحظوظ العاجلة أميل فتصدير المواعيد بها فى الاستمالة أدخل والمعنى ليجعلن دينهم ثابتا مقررا بحيث يستمرون على العمل بأحكامه ويرجعون إليه فى كل ما يأتون وما يذرون والتعبير عن ذلك بالتمكين الذى هو جعل الشىء مكانا لآخر يقال مكن له فى الأرض أى جعلها مقرا له ومنه قوله تعالى (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ) ونظائره وكلمة فى للإيذان بأن ما جعل مقرا له قطعة منها لا كلها للدلالة على كمال ثبات الدين ورصانة أحكامه وسلامته من التغيير والتبديل لابتنائه على تشبيهه بالأرض فى الثبات والقرار مع ما فيه من مراعاة المناسبة بينه وبين الاستخلاف فى الأرض وتقديم صلة التمكين على مفعوله الصريح للمسارعة إلى بيان كون الموعود من منافعهم تشويقها لهم إليه وترغيبا لهم فى قبوله عند وروده ولأن فى توسيطها بينه وبين وصفه أعنى قوله تعالى (الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) وفى تأخيرها عنه من الإخلال بجزالة النظم الكريم مالا يخفى وفى* إضافة الدين إليهم وهو دين الإسلام ثم وصفه بارتضائه لهم تأليف لقلوبهم ومزيد ترغيب فيه وفضل تثبيت عليه (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ) بالتشديد وقرىء بالتخفيف من الإبدال (مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ) أى من الأعداء (أَمْناً) * حيث كان أصحاب النبى صلىاللهعليهوسلم قبل الهجرة عشر سنين بل أكثر خائفين ثم هاجروا إلى المدينة وكانوا يصبحون فى السلاح ويمسون كذلك حتى قال رجل منهم ما يأتى علينا يوم نأمن فيه فقال صلىاللهعليهوسلم لا تعبرون إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم فى الملأ العظيم محتبيا ليس معه حديدة فأنزل الله عزوجل هذه الآية وأنجز وعده وأظهرهم على جزيرة العرب وفتح لهم بلاد الشرق والغرب وصاروا لى حال يخافهم كل من عداهم وفيه من الدلالة على صحة النبوة للإخبار بالغيب على ما هو عليه قبل وقوعه مالا يخفى وقيل المراد الخوف من العذاب والأمن منه فى الآخرة (يَعْبُدُونَنِي) حال من الموصول الأول مفيدة لتقييد الوعد بالثبات على* التوحيد أو استئناف ببيان المقتضى للاستخفاف وما انتظم معه فى سلك الوعد (لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) حال من الواو أى يعبدوننى غير مشركين بى فى العبادة شيئا (وَمَنْ كَفَرَ) أى اتصف بالكفر بأن ثبت* واستمر عليه ولم يتأثر بما مر من الترهيب والترغيب فإن الإصرار عليه بعد مشاهدة دلائل التوحيد كفر مستأنف زائدة على الأصل وقيل كفر بعد الإيمان وقيل كفر هذه النعمة العظيمة والأول هو الأنسب بالمقام (بَعْدَ ذلِكَ) أى بعد ذلك الوعد الكريم بما فصل من المطالب العالية المستوجبة لغاية الاهتمام* بتحصيلها والسعى الجميل فى حيازتها (فَأُولئِكَ) البعداء عن الحق التائهون فى تيه الغواية والضلال* (هُمُ الْفاسِقُونَ) الكاملون فى الفسق والخروج عن حدود الكفر والطغيان (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا