(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٥٥)
____________________________________
انتظاما أوليا أو للعهد أى ما على جنس الرسول كائنا من كان أو ما عليه صلىاللهعليهوسلم إلا التبليغ الموضح لكل ما يحتاج إلى الإيضاح أو الواضح على أن المبين من أبان بمعنى بان وقد علمتم أنه قد فعله بما لا مزيد عليه وإنما بقى ما حملتم وقوله تعالى (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) استئناف مقرر لما فى قوله تعالى (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) من الوعد الكريم ومعرب عنه بطريق التصريح ومبين لتفاصيل ما أجمل فيه من فنون السعادات الدينية والدنيوية التى هى من آثار الاهتداء ومتضمن لما هو المراد بالطاعة التى نيط بها الاهتداء والمراد بالذين آمنوا كل من اتصف بالإيمان بعد الكفر على الإطلاق من أى طائفة كان وفى أى وقت كان لا من آمن من طائفة المنافقين فقط ولا من آمن بعد نزول الآية الكريمة فحسب ضرورة عموم الوعد الكريم* للكل كافة فالخطاب فى منكم لعامة الكفرة لا للمنافقين خاصة ومن تبعيضية (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) عطف على آمنوا داخل معه فى حين الصلة وبه يتم تفسير الطاعة التى أمر بها ورتب عليها ما نظم فى سلك الوعد الكريم كما أشير إليه وتوسيط الظرف بين المعطوفين لإظهار أصالة الإيمان وعراقته فى استتباع الآثار والأحكام وللإيذان بكونه أول ما يطلب منهم وأهم ما يجب عليهم وأما تأخيره عنهما فى قوله تعالى (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) فلأن من هناك بيانية والضمير الذين معه صلىاللهعليهوسلم من خلص المؤمنين ولا ريب فى أنهم جامعون بين الإيمان والأعمال الصالحة مثابرون عليهما فلا بد من ورود بيانهم بعد ذكر نعوتهم الجليلة بكمالها هذا ومن جعل الخطاب للنبى صلىاللهعليهوسلم وللأمة عموما على أن من تبعيضية أوله صلىاللهعليهوسلم ولمن معه من المؤمنين خصوصا على أنها بيانية فقد نأى عما يقتضيه سباق النظم الكريم وسياقه بمنازل وأبعد عما يليق بشأنه صلىاللهعليهوسلم بمراحل (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) جواب للقسم إما بالإضمار أو بتنزيل وعده تعالى منزلة القسم لتحقق إنجازه لا محالة أى ليجعلهم خلفاء متصرفين فيها* تصرف الملوك فى ممالكهم أو خلفا من الذين لم يكونوا على حالهم من الإيمان والأعمال الصالحة (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) هم بنو إسرائيل استخلفهم الله عزوجل فى مصر والشام بعد إهلاك فرعون والجبابرة أوهم ومن قبلهم من الأمم المؤمنة التى أشير إليهم فى قوله تعالى (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) إلى قوله تعالى (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ) ومحل الكاف النصب على أنه مصدر تشبيهى مؤكد للفعل بعد تأكيده بالقسم وما مصدرية أى ليسخلفنهم استخلافا كائنا كاستخلافه تعالى للذين من قبلهم وقرىء كما استخلف على البناء للمفعول فليس العامل فى الكاف حينئذ الفعل المذكور بل ما يدل هو عليه من فعل مبنى هو للمفعول جار منه مجرى المطاوع فإن استخلافه تعالى إياهم مستلزم لكونهم مستخلفين