(قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٥٤)
____________________________________
مشهور معروف لكل أحد وقرىء بالنصب والمعنى تطيعون طاعة معروفة هذا وحملها على الطاعة الحقيقية بتقدير ما يناسبها من مبتدأ أو خبر أو فعل مثل الذى يطلب منكم طاعة معروفة حقيقية لا نفاقية أو طاعة معروفة أمثل أو ليكن طاعة معروفة أو أطيعوا طاعة معروفة مما لا يساعده المقام (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) * من الأعمال الظاهرة والباطنة التى من جملتها ما تظهرونه من الأكاذيب المؤكدة بالأيمان الفاجرة وما تضمرونه فى قلوبكم من الكفر والنفاق والعزيمة على مخادعة المؤمنين وغيرها من فنون الشر والفساد والجملة تعليل للحكم بأن طاعتهم طاعة نفاقية مشعر بأن مدار شهرة أمرها فيما بين المؤمنين إخباره تعالى بذلك ووعيد لهم بأنه تعالى مجازيهم بجميع أعمالهم السيئة التى منها نفاقهم (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) كرر الأمر بالقول لإبراز كمال العناية به والإشعار باختلافهما من حيث أن المقول فى الأول نهى بطريق الرد والتقريع كما فى قوله تعالى (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) وفى الثانى أمر بطريق التكليف والتشريع وإطلاق الطاعة المأمور بها عن وصف الصحة والإخلاص ونحوهما بعد وصف طاعتهم بما ذكر للتنبيه على أنها ليست من الطاعة فى شىء أصلا وقوله تعالى (فَإِنْ تَوَلَّوْا) خطاب للمأمورين بالطاعة من جهته تعالى وارد* لتأكيد الأمر بها والمبالغة فى إيجاب الامتثال به والحمل عليه بالترهيب والترغيب لما أن تغيير الكلام المسوق لمعنى من المعانى وصرفه عن سننه المسلوك ينبىء عن اهتمام جديد بشأنه من المتكلم ويستجلب مزيد رغبة فيه من السامع كما أشير إليه فى تفسير قوله تعالى (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) لا سيما إذا كان ذلك بتغيير الخطاب بالواسطة إلى الخطاب بالذات فإن فى خطابه تعالى إياهم بالذات بعد أمره تعالى إياهم بوساطته صلىاللهعليهوسلم وتصديه لبيان حكم الامتثال بالأمر والتولى عنه إجمالا وتفصيلا من إفادة ما ذكر من التأكيد والمبالغة مالا غاية وراءه وتوهم أنه داخل تحت القول المأمور بحكايته من جهته تعالى وأنه أبلغ فى التبكيت تعكيس للأمر والفاء لترتيب ما بعدها على تبليغه صلىاللهعليهوسلم للمأمور به إليهم وعدم التصريح به للإيذان بغاية ظهور مسارعته صلىاللهعليهوسلم إلى تبليغ ما أمر به وعدم الحاجة إلى الذكر أى إن تتولوا عن الطاعة إثر ما أمرتم بها (فَإِنَّما عَلَيْهِ) * أى فاعلموا أنما عليه صلىاللهعليهوسلم (ما حُمِّلَ) أى أمر به من التبليغ وقد شاهدتموه عند قوله أطيعوا الله وأطيعوا الرسول (وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) أى ما أمرتم به من الطاعة ولعل التعبير عنه بالتحميل للإشعار بثقله وكونه* مؤنة باقية فى عهدتهم بعد كأنه قيل وحيث توليتم عن ذلك فقد بقيتم تحت ذلك الحمل الثقيل وقوله تعالى (ما حُمِّلَ) محمول على المشاكلة (وَإِنْ تُطِيعُوهُ) أى فيما أمركم به من الطاعة (تَهْتَدُوا) إلى الحق الذى هو المقصد الأصلى* الموصل إلى كل خير والمنجى من كل شر وتأخيره عن بيان حكم التولى لما فى تقديم الترهيب من تأكيد الترغيب وتقريبه مما هو من بابه من الوعد الكريم وقوله تعالى (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) اعتراض* مقرر لما قبله من أن غائلة التولى وفائدة الإطاعة مقصورتان عليهم واللام إما للجنس المنتظم لهصلىاللهعليهوسلم