(يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (٤٤) وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤٥)
____________________________________
والتشويق إلى المؤخر وقيل المراد بالسماء المظلة وفيها جبال من برد كما أن فى الأرض جبالا من حجر وليس فى العقل ما ينفيه من قاطع والمشهور أن الأبخرة إذا تصاعدت ولم تحللها حرارة فبلغت الطبقة الباردة من الهواء وقوى البرد اجتمع هناك وصار سحابا وإن لم يشتد البرد تقاطر مطرا وإن اشتد فإن وصل إلى الأجزاء البخارية قبل اجتماعها نزل ثلجا وإلا نزل بردا وقد يبرد الهواء بردا مفرطا فينقبض وينعقد سحابا وينزل منه المطر أو الثلج وكل ذلك مستند إلى إرادة الله تعالى ومشيئته المبنية على الحكم والمصالح (فَيُصِيبُ بِهِ) أى بما ينزله من البرد (مَنْ يَشاءُ) أن يصيبه به فيناله ما يناله من ضرر فى نفسه* وماله (وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ) أن يصرفه عنه فينجو من غائلته (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ) أى ضوء برق السحاب* الموصوف مما مر من الإزجاء والتأليف وغيرهما وإضافة البرق إليه قبل الإخبار بوجوده فيه للإيذان بظهور أمره واستغنائه عن التصريح به وقرىء بالمد بمعنى الرفعة والعلو وبإدغام الدال فى السين وبرقه بفتح الراء على أنه جمع برقة وهى مقدار من البرق كالغرفة وبضمها للاتباع لضمة الباء (يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) * أى يخطفها من فرط الإضاءة وسرعة ورودها وفى إطلاق الأبصار مزيد تهويل لأمره وبيان لشدة تأثيره فيها كأنه يكاد يذهب بها ولو عند الإغماض وهذا من أقوى الدلائل على كمال القدرة من حيث إنه توليد للضد من الضد وقرىء يذهب من الإذهاب على زيادة الباء (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) بالمعاقبة بينهما أو بنقص أحدهما وزيادة الآخر أو بتغيير أحوالهما بالحر والبرد وغيرهما مما يقع فيهما من الأمور التى من جملتها ما ذكر من إزجاء السحاب وما ترتب عليه (إِنَّ فِي ذلِكَ) إشارة إلى ما فصل آنفا وما فيه من معنى البعد مع قرب المشار إليه للإيذان بعلو رتبته وبعد منزلته (لَعِبْرَةً) أى لدلالة واضحة على وجود* الصانع القديم ووحدته وكمال قدرته وإحاطة علمه بجميع الأشياء ونفاذ مشيئته وتنزهه عما لا يليق بشأنه العلى (لِأُولِي الْأَبْصارِ) لكل من له بصر (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ) أى كل حيوان يدب على الأرض وقرىء خالق كل دابة بالإضافة (مِنْ ماءٍ) هو جزء مادته أو ماء مخصوص هو النطفة فيكون تنزيلا للغالب منزلة الكل لأن من الحيوانات ما يتولد لا عن نطفة وقيل من ماء متعلق بدابة وليست صلة لخلق (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) كالحية وتسمية حركتها مشيا مع كونها زحفا بطريق الاستعارة أو المشاكلة (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ) كالإنس والطير (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) كالنعم والوحش وعدم التعرض لما يمشى على أكثر من أربع كالعناكب ونحوها من الحشرات لعدم الاعتداد بها وتذكير الضمير فى منهم لتغليب العقلاء والتعبير عن الأصناف بكلمة من ليوافق التفصيل الإجمال والترتيب لتقديم ما هو أعرف فى القدرة (يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ) مما ذكر ومما لم يذكر بسيطا كان أو مركبا على ما يشاء من الصور والأعضاء