(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) (٤١)
____________________________________
* السحاب (كَظُلُماتٍ) خبر مبتدأ محذوف أى هى ظلمات (بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) أى متكاثقة متراكمة وهذا بيان لكمال شدة الظلمات كما أن قوله تعالى (نُورٌ عَلى نُورٍ) بيان لغاية قوة النور خلا أن ذلك متعلق بالمشبه وهذا بالمشبه به كما يعرب عنه ما بعده وقرىء بالجر على الإبدال من الأولى وقرىء بإضافة السحاب إليها* (إِذا أَخْرَجَ) أى من ابتلى بها وإضماره من غير ذكره لدلالة المعنى عليه دلالة واضحة (يَدَهُ) وجعلها بمرأى* منه قريبة من عينه لينظر إليها (لَمْ يَكَدْ يَراها) وهى أقرب شىء منه فضلا عن أن يراها (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً) الخ اعتراض تذييلى جىء به لتقرير ما أفاده التمثيل من كون أعمال الكفرة كما فصل وتحقيق أن ذلك لعدم هدايته تعالى إياهم لنوره وإيراد الموصول للإشارة بما فى حين الصلة إلى علة الحكم وأنهم ممن لم يشأ الله تعالى هدايتهم أى ومن لم يشأ الله أن يهديه لنوره الذى هو القرآن هداية خاصة مستتبعة للاهتداء حتما ولم يوفقه للإيمان به (فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) أى فما له هداية ما من أحد أصلا وقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ) الخ استئناف خوطب به النبى صلىاللهعليهوسلم للإيذان بأنه تعالى قد أفاض عليه صلىاللهعليهوسلم أعلى مراتب النور وأجلاها وبين له من أسرار الملك والملكوت أدقها وأخفاها والهمزة للتقرير أى قد علمت علما يقينيا شبيها* بالمشاهدة فى القوة والرصانة بالوحى الصريح والاستدلال الصحيح (أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ) أى ينزهه تعالى* على الدوام فى ذاته وصفاته وأفعاله عن كل مالا يليق بشأنه الجليل من نقص أو خلل (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى ما فيهما إما بطريق الاستقرار فيهما من العقلاء وغيرهم كائنا ما كان أو بطريق الجزئية منهما تنزيها تفهمه العقول السليمة فإن كل موجود من الموجودات الممكنة مركبا كان أو بسيطا فهو من حيث ماهيته ووجوده وأحواله يدل على وجود صانع واجب الوجود متصف بصفات الكمال مقدس عن كل مالا يليق بشأن من شئونه الجليلة وقد نبه على كمال قوة تلك الدلالة وغاية وضوحها حيث عبر عنها بما يخص العقلاء من التسبيح الذى هو أقوى مراتب التنزيه وأظهرها تنزيلا للسان الحال منزلة لسان المقال وأكد ذلك بإيثار كلمة من على ما كأن كل شىء مما عز وهان وكل فرد من أفراد الأعراض والأعيان عاقل ناطق ومخبر صادق بعلو شأنه تعالى وعزة سلطانه وتخصيص التنزيه بالذكر مع دلالة ما فيهما على اتصافه تعالى بنعوت الكمال أيضا لما أن مساق الكلام لتقبيح حال الكفرة فى إخلالهم بالتنزيه بجعلهم الجمادات شركاء له فى الألوهية ونسبتهم إياه إلى اتخاذ الولد تعالى عن ذلك علوا كبيرا وحمل التسبيح على ما يليق بكل نوع من أنواع المخلوقات بأن يراد به معنى مجازى شامل لتسبيح العقلاء وغيرهم حسبما هو المتبادر من قوله تعالى (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) يرده أن بعضا من العقلاء وهم الكفرة من الثقلين لا يسبحونه بذلك المعنى قطعا وإنما تسبيحهم ما ذكر من الدلالة التى يشاركهم فيها غير العقلاء أيضا وفيه مزيد تخطئة لهم وتعيير ببيان أنهم يسبحونه تعالى باعتبار أخس جهاتهم التى هى الجمادية والجسمية والحيوانية ولا