(أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (٤٠)
____________________________________
المستوية وقيل هى جمع قاع كجيرة جمع جار وقرىء بقيعات بتاء ممدودة كديمات إما على أنها جمع قيعة أو على أن الأصل قيعة قد أشبعت فتحة العين فتولد منها ألف (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً) صفة أخرى لسراب وتخصيص* الحسبان بالظمآن مع شموله لكل من يراه كائنا من كان من العطشان والريان لتكميل التشبيه بتحقيق شركة طرفيه فى وجه الشبه الذى هو المطلع المطمع والمقطع الموئس (حَتَّى إِذا جاءَهُ) أى إذا جاء العطشان* ما حسبه ماء وقيل موضعه (لَمْ يَجِدْهُ) أى ما حسبه ماء وعلق به رجاءه (شَيْئاً) أصلالا محققا ولا متوهما كما كان يراه من قبل فضلا عن وجدانه ماء وبه تم بيان أحوال الكفرة بطريق التمثيل وقوله تعالى (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) بيان لبقية أحوالهم العارضة لهم بعد ذلك بطريق التكملة لئلا يتوهم أن قصارى أمرهم هو الخيبة والقنوط فقط كما هو شأن الظمآن ويظهر أنه يعتريهم بعد ذلك من سوء الحال ما لا قدر عنده للخيبة أصلا فليست الجملة معطوفة على لم يجده شيئا بل على ما يفهم منه بطريق التمثيل من عدم وجدان الكفرة من أعمالهم المذكورة عينا ولا أثرا كما فى قوله تعالى (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) كيف لا وأن الحكم بأن أعمال الكفرة كسراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا حكم بأنها بحيث يحسبونها فى الدنيا نافعة لهم فى الآخرة حتى إذا جاءوها لم يجدوها شيئا كأنه قيل حتى إذا جاء الكفرة يوم القيامة أعمالهم التى كانوا فى الدنيا يحسبونها نافعة لهم فى الآخرة لم يجدوها شيئا ووجدوا الله أى حكمه وقضاءه عند المجىء وقيل عند العمل فوفاهم أى أعطاهم وافيا كاملا حسابهم أى حساب أعمالهم المذكورة وجزاءها فإن اعتقادهم لنفعها بغير إيمان وعملهم بموجبه كفر على كفر موجب للعقاب قطعا وإفراد الضميرين الراجعين إلى الذين كفروا إما لإرادة الجنس كالظمآن الواقع فى التمثيل وإما للحمل على كل واحد منهم وكذا إفراد ما يرجع إلى أعمالهم هذا وقد قيل نزلت فى عتبة بن ربيعة بن أمية كان قد تعبد فى الجاهلية ولبس المسوح والتمس الدين فلما جاء الإسلام كفر (أَوْ كَظُلُماتٍ) عطف على كسراب وكلمة أو للتنويع إثر ما مثلت أعمالهم التى كانوا يعتمدون عليها أقوى اعتماد ويفتخرون بها فى كل واد وناد بما ذكر من حال السراب مع زيادة حساب وعقاب مثلت أعمالهم القبيحة التى ليس فيها شائبة خيرية يغتر بها المغترون بظلمات كائنة (فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ) أى عميق كثير الماء منسوب إلى اللج وهو معظم ماء البحر وقيل إلى اللجة وهى* أيضا معظمه (يَغْشاهُ) صفة أخرى للبحر أى يستره ويغطيه بالكلية (مَوْجٌ) وقوله تعالى (مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ) * جملة من مبتدأ وخبر محلها الرفع على أنها صفة لموج أو الصفة هى الجار والمجرور وموج الثانى فاعل له لاعتماده على الموصوف والكلام فيه كما مر فى قوله تعالى (نُورٌ عَلى نُورٍ) أى يغشاه أمواج متراكمة متراكبة بعضها على بعض وقوله تعالى (مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ) صفة لموج الثانى على أحد الوجهين المذكورين أى من فوق* ذلك الموج سحاب ظلمانى ستر أضواء النجوم وفيه إيماء إلى غاية تراكم الأمواج وتضاعيفها حتى كأنها بلغت