(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٣٩)
____________________________________
يفعلون ما يفعلون من المداومة على التسبيح والذكر وإيتاء الزكاة والخوف من غير صارف لهم عن ذلك* ليجزيهم الله تعالى (أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) أى أحسن جزاء أعمالهم حسبما وعد لهم بمقابلة حسنة واحدة عشرة* أمثالها إلى سبعمائة ضعف (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أى يتفضل عليهم بأشياء لم توعد لهم بخصوصياتها أو بمقاديرها ولم تخطر ببالهم كيفياتها ولا كمياتها بل إنما وعدت بطريق الإجمال فى مثل قوله تعالى (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى) وزيادة وقوله صلىاللهعليهوسلم حكاية عنه عزوجل أعددت لعبادى الصالحين مالا عين رأت ولا* أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وغير ذلك من المواعيد الكريمة التى من جملتها قوله تعالى (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) فإنه تذييل مقرر للزيادة وعد كريم بأنه تعالى يعطيهم غير أجزية أعمالهم من الخيرات مالا يفى به الحساب وأما عدم سبق الوعد بالزيادة ولو إجمالا وعدم خطورها ببالهم ولو بوجه ما فيأباه نظمها فى سلك الغاية والموصول عبارة عمن ذكرت صفاتهم الجميلة كأنه قيل والله يرزقهم بغير حساب ووضعه موضع ضميرهم للتنبيه بما فى حيز الصلة على أن مناط الرزق المذكور محض مشيئته تعالى لا أعمالهم المحكية كما أنها المناط لما سبق من الهداية لنوره تعالى لا لظاهر الأسباب وللإيذان بأنهم ممن شاء الله تعالى أن يرزقهم كما أنهم ممن شاء الله تعالى أن يهديهم لنوره حسبما يعرب عنه ما فصل من أعمالهم الحسنة فإن جميع ما ذكر من الذكر والتسبيح وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وخوف اليوم الآخر وأهواله ورجاء الثواب مقتبس من القرآن العظيم الذى هو المعنى بالنور وبه يتم بيان أحوال من اهتدى بهداه على أوضح وجه وأجلاه هذا وقد قيل قوله تعالى (فِي بُيُوتٍ) الخ من تتمة التمثيل وكلمة فى متعلقة بمحذوف هى صفة لمشكاة أى كائنة فى بيوت وقيل لمصباح وقيل لزجاجة وقيل متعلقة بيوقد والكل مما لا يليق بشأن التنزيل الجليل كيف لا وأن ما بعد قوله تعالى (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) على ما هو الحق أو ما بعد قوله تعالى (نُورٌ عَلى نُورٍ) على ما قيل إلى قوله تعالى (بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) كلام متعلق بالممثل قطعا فتوسيطه بين أجزاء التمثيل مع كونه من قبيل الفصل بين الشجر ولحائه بالأجنبى يؤدى إلى كون ذكر حال المنتفعين بالتمثيل المهديين لنور القرآن الكريم بطريق الاستتباع والاستطراد مع كون بيان حال أضدادهم مقصودا بالذات ومثل هذا مما لا عهد به فى كلام الناس فضلا أن يحمل عليه الكلام المعجز (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) عطف على ما ينساق إليه ما قبله كأنه قيل الذين آمنوا أعمالهم حالا ومآلا كما وصف والذين كفروا (أَعْمالُهُمْ) أى أعمالهم التى هى من أبواب البر كصلة الأرحام وفك العناة وسقاية الحاج وعمارة البيت وإغاثة الملهوفين وقرى الأضياف ونحو ذلك مما لو قارنه الإيمان لاستتبع الثواب كما فى قوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ) الآية (كَسَرابٍ) وهو ما يرى فى الفلوات من لمعان الشمس عليها وقت الظهيرة فيظن أنه ماء يسرب أى يجرى (بِقِيعَةٍ) متعلق بمحذوف هو صفة لسراب أى كائن فى قاع وهى الأرض المنبسطة