(وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣٣)
____________________________________
الرزق لمن يشاء ويقدر حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة (وَلْيَسْتَعْفِفِ) إرشاد للعاجزين عن مبادى النكاح وأسبابها إلى ما هو أولى لهم وأحرى بهم بعد بيان جواز مناكحة الفقراء أى ليجتهد فى العفة وقمع الشهوة (الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً) أى أسباب نكاح أو لا يتمكنون مما ينكح به من المال (حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) عدة كريمة بالتفضل عليهم بالغنى ولطف لهم فى استعفافهم وتقوية لقلوبهم وإيذان بأن فضله تعالى أولى بالأعفاء وأدنى* من الصلحاء (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ) بعد ما أمر بإنكاح صالحى الماليك الأحقاء بالإنكاح أمر بكتابة من* ستحقها منهم والكتاب مصدر كاتب كالمكاتبة أى الذين يطلبون المكاتبة (مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) عبدا كان أو أمة وهى أن يقول المولى لمملوكه كاتبتك على كذا درهما تؤديه إلى وتعتق ويقول المملوك قبلته أو نحو ذلك فإن أداه إليه عتق قالوا معناه كتبت لك على نفسى أن تعتق منى إذا وفيت بالمال وكتبت لى على نفسك أن تفى بذلك أو كتبت عليك الوفاء بالمال وكتبت على العتق عنده والتحقيق أن المكاتبة اسم للعقد الحاصل من مجموع كلاميهما كسائر العقود الشرعية المنعقدة بالإيجاب والقبول ولا ريب فى أن ذلك لا يصدر حقيقة إلا من المتعاقدين وليس وظيفة كل منهما فى الحقيقة إلا الإتيان بأحد شطريه معربا عما يتم من قبله ويصدر عنه من الفعل الخاص به من غير تعرض لما يتم من قبل صاحبه ويصدر عنه من فعله الخاص به إلا أن كلا من ذينك الفعلين لما كان بحيث لا يمكن تحققه فى نفسه إلا منوطا بتحقق الآخر ضرورة أن التزام العتق بمقابلة البدل من جهة المولى لا يتصور تحققه وتحصله إلا بالتزام البدل من طرف العبد كما أن عقد البيع الذى هو تمليك المبيع بالثمن من جهة البائع لا يمكن تحققه إلا بتملكه به من جانب المشترى لم يكن بد من تضمين أحدهما الآخر وقت الإنشاء فكما أن قول البائع بعت إنشاء لعقد البيع على معنى أنه إيقاع لما يتم من قبله أصالة ولما يتم من قبل المشترى ضمنا إيقاعا متوقفا على رأيه توقفا شبيها بتوقف عقد الفضولى كذلك قول المولى كاتبتك على كذا إنشاء لعقد الكتابة أى إيقاع لما يتم من قبله من التزام العتق بمقابلة البدل أصالة ولما يتم من قبل العبد من التزام البدل ضمنا إيقاعا متوقفا على قبوله فإذا قبل تم العقد ومحل الموصول الرفع على* الابتداء خبره (فَكاتِبُوهُمْ) والفاء لتضمنه معنى الشرط أو النصب على أنه مفعول لمضمر يفسره هذا والامر فيه للندب لأن الكتابة عقد يتضمن الإرفاق فلا تجب كغيرها ويجوز حالا ومؤجلا ومنجما* وغير منجم وعند الشافعى رحمهالله لا يجوز إلا مؤجلا منهما وقد فصل فى موضعه (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) أى أمانة ورشدا وقدرة على أداء البدل بتحصيله من وجه حلال وصلاحا لا يؤذى الناس بعد العتق* وإطلاق العنان (وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) أمر للموالى ببذل شىء من أموالهم وفى حكمه حط شىء