(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢١)
____________________________________
(وَالْآخِرَةِ) من عذاب النار وغير ذلك مما يعلمه الله عزوجل (وَاللهُ يَعْلَمُ) جميع الأمور التى من جملتها ما فى الضمائر من المحبة المذكورة (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ما يعلمه تعالى بل إنما تعلمون ما ظهر لكم من الأقوال والأفعال المحسوسة فابتلوا أموركم على ما تعلمونه وعاقبوا فى الدنيا على ما تشاهدونه من الأحوال الظاهرة والله سبحانه هو المتولى للسرائر فيعاقب فى الآخرة على ما تكنه الصدور هذا إذا جعل العذاب الأليم فى الدنيا عبارة عن حد القذف أو متنظما له كما أطبق عليه الجمهور أما إذا بقى على إطلاقه يراد بالمحبة نفسها من غير أن يقارنها التصدى للإشاعة وهو الأنسب بسياق النظم الكريم فيكون ترتيب العذاب عليها تنبيها على أن عذاب من يباشر الإشاعة ويتولاها أشد وأعظم ويكون الاعتراض التذييلى أعنى قوله تعالى (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) تقريرا لثبوت العذاب الأليم لهم وتعليلا له (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) تكرير للمنة بترك المعاجلة بالعقاب للتنبيه على كمال عظم الجريرة (وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) عطف على فضل الله وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة والإشعار باستتباع صفة الألوهية للرأفة والرحمة وتغيير سبكه وتصديره بحرف التحقيق لما أن بيان اتصافه تعالى فى ذاته بالرأفة التى هى كمال الرحمة والرحيمية التى هى المبالغة فيها على الدوام والاستمرار لا بيان حدوث تعلق رأفته ورحمته بهم كما أنه المراد بالمعطوف عليه وجواب لو لا محذوف لدلالة ما قبله عليه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) أى لا تسلكوا مسالكه فى كل ما تأتون وما تذرون من الأفاعيل التى من جملتها إشاعة الفاحشة وحبها وقرىء خطوات بسكون الطاء وبفتحها أيضا (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ) وضع الظاهران موضع ضميريهما حيث لم يقل ومن يتبعها أو ومن يتبع خطواته لزيادة التقرير والمبالغة فى التنفير والتحذير (فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) علة للجزاء وضعت موضعه كأنه قيل فقدار تكب الفحشاء والمنكر لأن دأبه المستمر أن يأمر بهما فمن اتبع خطواته فقد امتثل بأمره قطعا والفحشاء ما أفرط قبحه كالفاحشة والمنكر ما ينكره الشرع وضمير إنه للشيطان وقيل للشأن على رأى من لا يوجب عود الضمير من الجملة الجزائية إلى اسم الشرط أو على أن الأصل يأمره وقيل هو عائد إلى من أى فإن ذلك المتبع يأمر الناس بهما لأن شأن الشيطان هو الإضلال فمن اتبعه يترقى من رتبة الضلال والفساد إلى رتبة الإضلال والإفساد (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) بما من جملته هاتيك البيانات والتوفيق للتوبة الماحصة للذنوب وشرع الحدود المكفرة لها (ما زَكى) أى ما طهر من دنسها وقرىء ما زكى بالتشديد أى ما طهر الله تعالى ومن فى قوله تعالى (مِنْكُمْ) بيانية وفى قوله